إصابات الدماغ.. جروح الحرب غير المرئية

بانوراما 2020/02/21
...

روبرت بيرنز
ترجمة: ترجمة: ليندا أدور
ان تسليط الضوء على إصابات الدماغ، التي عانى منها الجنود الأميركيون في العراق خلال شهر كانون الثاني الماضي، مثال على الاهتمام الأميركي العرضي بجروح الحرب غير المرئية  التي لحقت بمئات الآلاف على مدى العقدين المنصرمين، لكنها لم تفهم بالكامل حتى الآن.
فعلى العكس من الجروح البدنية، كالحروق أو فقدان الأطراف، فان إصابات الدماغ الرّضيّة (Traumatic Brain Injuries (TBI، لا تبدو واضحة ومعلومة وقد تستغرق وقتا لتشخيصها. إن تأثيرها الكامل قد لا يبدو جليا لبعض الوقت، حيث اظهرت الدراسات أن هناك علاقة بين إصابات الدماغ الرّضيّة ومشكلات الصحة العقلية، والتي لا يمكن تجاهلها ووصفها بأنها مجرد “صداع”، وهي المفردة التي استخدمها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب لدى حديثه عن الإصابات التي لحقت بجنوده في العراق بأنها ليست بالضرورة 
خطيرة.
 
تصريحات غير دقيقة
يقول وليم شميتز، القائد الوطني لهيئة “قدامى المحاربين في الحروب الخارجية” Veterans of Foreign Wars ((VFW، “تعد إصابات الدماغ الرّضيّة من الاصابات الخطيرة ولا يمكن عدم أخذها على محمل الجد”، مضيفا: “من المعروف انها تسبب حالات من الاكتئاب وفقدان الذاكرة والصداع الشديد والدوار والإرهاق” وأحيانا تكون لها آثار طويلة الأمد. وقد طالبت الهيئة ترامب بالاعتذار عن “تصريحاته غير الدقيقة”. وانتقد النائب الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، بيل باسكريل، مؤسس قوة مهام خاصة بإصابات الدماغ في الكونغرس، ترامب “لإظهاره عدم إدراك واضح للتأثيرات الكارثية لإصابات الدماغ”. 
وكان البنتاغون قد أشار في البداية الى تشخيص 50 حالة بين صفوف الجنود يعانون من الإصابات الدماغية الرّضيّة التي نتجت عن الهجوم الصاروخي الذي شنته ايران فجر الثامن من كانون الثاني الماضي على قاعدة جوية أميركية غرب العراق كرد انتقامي لمقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، خلال غارة جوية أميركية نفذتها طائرة بدون طيار في بغداد مطلع الشهر الماضي. 
ثم ازداد عدد ضحايا الهجوم (متجاوزا نحو 110 اصابات)، رغم عدم وجود قتلى فيه. ولم يتم الاعلان حينها عن تفاصيل الاصابات بصفوف الجنود الأميركيين، وكان البنتاغون، أعلن مؤخرا، أن 31 حالة شخصت باصابتها في الدماغ، قد شفوا بالشكل الذي يمكنهم من العودة للخدمة، ويشار الى أن شدة الحالات الأخرى لم يتم الكشف عنها. 
 
حرب شاملة
حينما وقع الهجوم الايراني ، لم يعلن البنتاغون عن الحالات المؤكدة الأولى حتى مرور أكثر من أسبوع على الهجوم، وقد أُعلنَ عن 11 حالة فقط وقتذاك. ينظر لقضية الاصابات الأميركية بأهمية مضافة اثناء القصف الايراني، لأن الضرر الذي تسبب به القصف كان يمكن أن يؤثر في القرار الأميركي حول اذا ما كانت ستشن هجوما مضادا والمخاطرة بحرب شاملة مع ايران، غير إن ترامب اختار عدم الانتقام، ثم لوحت ايران بعد ذلك بأنها اكتفت بتلك الضربة 
حاليا. 
خلال السنوات الأولى في أعقاب الاجتياح الأميركي للعراق سنة 2003، والاطاحة بصدام، بدأت دائرة الاهتمام تتوجه جديا نحو الإصابات الدماغية الرّضيّة بين أفراد الجيش الأميركي. وقد أدى زوال حكم صدام الى بروز حركات متمردين، أربكت حركة الجيش الأميركي من خلال زرع عبوات تدميرية على جانب الطريق، والتي تسببت للناجين من افراد الجيش ليس بجروح بدنية فحسب، بل بارتجاجات باتت، الى جانب الصدمات النفسية، تعرف بـجروح الحرب غير 
المرئية.
تقول السيناتورة الديمقراطية، جين شاهين، من نيوهامشاير: “لأجيال، لم يفهم سبب إصابات الدماغ التي غالبا ما كان يتم رفضها جزئيا بسبب عدم فهم المشكلة بشكل تام، بالرغم من أن البنتاغون بدأ يركز على المشكلة مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما أنشأ برنامجا مخصصا لإصابات الرأس الذي أصبح يعرف اليوم بمركز الدفاع والمحاربين القدامى لأصابات 
الدماغ.  
 
مشكلات مغيّرة للحياة
كشفت دراسة قام بها باحثون بجامعة ماساتشوستس في أمهرست للخدمات الصحية، نشرت مؤخرا، الى أن افراد الجيش الذين تعرضوا لاصابات الدماغ الرّضيّة المعتدلة أو الشديدة، هم أكثر عرضة من غيرهم، من الذين تعرضوا لإصابات بليغة أخرى، للإصابة باضطرابات تتعلق بصحتهم العقلية. وقد أدى الاهتمام بإصابات الدماغ الرّضيّة الى إثارة التساؤلات حول اذا ما كان افراد الجيش قد يعانون من أضرار صحية طويلة الأمد حتى وإن كانوا بعيدين عن انفجارات ساحة المعركة، كأن تكون أثناء التدريب على سلاح المدفعية أو الصواريخ التي تطلق من على 
الكتف. 
 يقول ري شي، استاذ العلوم العصبية وهندسة الطب الحيوي بجامعة بوردو: “اكتشفنا بأنه حتى في حال كان الانفجار ليس عنيفا، يمكن أن يتسبب بمشكلات صحية طويلة الأمد ومغيّرة للحياة”.
في العام 2018، كشفت دراسة أجرتها مؤسسة راند عن قلة البحث والفهم للأضرار المحتملة على الجهاز العصبي من التعرض المتكرر للإنفجارات المتدنية. 
وخلال العام ذاته، أصدر مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث في واشنطن، دراسة حض فيها البنتاغون على إجراء برنامج لمراقبة وتسجيل البيانات والحفاظ عليها بشأن التعرض لضغط الانفجار: “أي جندي، سواء كان أثناء التدريب أو المعركة، والذي يحتمل ان يشغل موضعا يتعرض فيه للانفجار”، مشيرة الى أن ذلك يجب ان يشتمل على تصوير دماغي  لجنود تعرضوا لانفجارات كجزء من دراسة  لفهم أفضل لكيفية تأثير الانفجارات في
 الدماغ”.