المياه بين الهدر والترشيد

آراء 2020/02/22
...

إبراهيم سبتي
 
التبذير والإسراف والهدر، كوارث اقتصادية  متوارثة، تؤثر وفق مديات تقتضيها الحاجة المصيرية في حياة الدول والشعوب، فالهدر بالموارد واستنزافها كالمياه التي تعد أهم مفصل حياتي
 يعني خسارات قاصمة بالغة الأهمية والتأثير، فالمياه مورد مهم ويكاد يكون أهم الموارد الطبيعية لأنّه يرتبط بحياة الإنسان والكائنات الأخرى. ربما نفقد من المياه في ساعة، أو يوم، أو أسبوع، ما لا تفقده بعض الدول في شهور، بسبب أنّ الوعي بالترشيد ما زال بعيدا وأنّ المسرف لا يصدق أبدا أن الماء ربما ينضب يوما ما، وهو لا يعرف أنّ نفاده يعني الموت وانتهاء الحياة. إنّ الوعي بالتقليل والاستخدام المعقول، قد يطيل من عمر المياه أضعافا مضاعفة، وهو الأمر الذي لا يدركه الكثير. في نظرة سريعة لطرق هدر المياه، سيصيبنا الذهول والتعجب عندما ترى صنابير الماء الصالح للشرب تترك مفتوحة  لتصب في الشارع  من دون سبب أو رشها  لتقليل الغبار حسب بعضهم. وربما تستخدم المياه الصالحة للاستخدام المنزلي، وبكميات هائلة، في المواضع غير المناسبة من دون النظر الى أضرار هذا الإسراف غير المسوّغ! وقد تجد أنابيب الماء المدفونة تحت الأرض، الناقلة له، قديمة ومتهالكة فتساعد على التسرب والضياع من دون لفت أنظار الجهات المعنية. الأمثلة كثيرة وطرق المعالجة تكاد تكون مفقودة، والأهم هو فقدان التثقيف والتوعية باعتبار أنّ المياه ثروة نادرة لا يمكن أن تُعوّض. أزمات المياه في وقت من الأوقات قد أشعلت حروبا بين الدول المتشاطئة وأخرى عقدت اتفاقات صعبة للحفاظ على هذا الشريان الحيوي. إنّ المياه  مسؤولية المواطن لأنّه المستفيد الأول منها، ولأنّها ثروة وطنية لا يمكن الاستخفاف بها ولا المساس بمقدراتها وفقا لما جاء في القرآن الكريم: (َكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). وهذا توجيه مقدس بعدم الإسراف والتبذير حين يكون الشخص عارفا بمسؤوليته، ولكنه يفعل العكس  أحيانا كما حدث عندما دخلت شارعا فرعيا وكان غارقا بفيضان هادر ورأيت خزان إحدى الدور يصب ماءَه بغزارة الى الشارع ولا مجيب ولا رقيب ولا حسيب من دون شعور بالتزام وحرص وحرمة. أمّا الذين يثقبون الأنابيب العملاقة الناقلة، فحدث ولا حرج وهم يمدون منها أنابيبهم البلاستيكية التي تجري من الصباح حتى الصباح  تحت أنظار الجميع لغسل السيارات على جوانب الطرق الخارجية. الأمثلة كثيرة والمطالبات أكثر ولكن بلا حلول. إنّ مصادرنا للمياه تأتينا من دولة أخرى تربطنا معها اتفاقات دولية حول الحصص الواجب دخولها الى العراق عبر نهري دجلة والفرات، وهذا ما يتطلب وقفة جادة بالحفاظ على هذه الثروة والتي ظلت على مدى آلاف السنين رمزا للخصب  والنماء والحياة في وادي الرافدين من أقصاه الى
 أقصاه . 
إن بعض الدول تُصعّب وتحاسب على استخدام المياه لأنها قضية سيادية وثروة لا تعوض ونادرة، وربما تنضب يوما ما فيكون الحرص عليها وترشيدها واجبا وطنيا وأخلاقيا. إنّ الوعي لا يكفي في هذه الحالة ما لم تتكاتف وتتعاون أجهزة الدولة جميعها مع المنظمات الإنسانية التي تعنى بالبيئة مع عموم المواطنين، في رسم ملامح خطط ستراتيجية في التعامل مع المياه كونها إحدى مقومات الحياة الرئيسة، ومن دونها تجف الحياة وينقطع الأمل ويسود التصحر ويموت الزرع والضرع. وفي مساءلة بعضهم حول هذه الحالة التبذيرية ينبرى لك قائلا بأنها نقطة في بحر ولا تؤثر في كمياتها.