الحرب مبدؤها الكلام!

آراء 2020/02/22
...

عبد الأمير المجر 
 
 لم يستجب يزيد بن عمر بن هبيرة، والي العراق، لطلب والي خراسان، نصر بن سيار، الذي أوصله إليه شعرا، إذ بدأت ارهاصات حركة معادية للأمويين هناك. كانت القصيدة تحذر من خطر داهم: (أبلغْ يزيدَ وخيرُ القولِ أصدقُهُ - وقد تيقّنتُ ألّا خيرَ في الكذبِ/  بأنّ أرضَ خراسانَ رأيت بها - بيضاً إذا أفرختْ حدّثتْ بالعجبِ/ فراخ عامين إلّا أنّها كبرت - لمّا يطرنَ وقد سربلنَ بالزغبِ). وكان سبب عدم استجابة والي العراق، ابن هبيرة، انشغاله في مجالدة
 الخوارج. 
لم يهدأ ابنُ سيار، فكتب الى الخليفة مروان بن محمد، في دمشق، آخر خلفاء بني أمية، وكذلك بقصيدة شعرية ستبقى خالدة، أو تستحضر كمثل يساق في المواقف المشابهة، يقول مطلعها: ( أرى تحت الرمادِ وميضَ جمرٍ - ويوشك أنْ يكونَ له ضرامُ/ فإنّ النار في العودين تُذكى - وأنّ الحربَ مبدؤها الكلامُ). ويقال كذلك إنّ الخليفة كان مشغولا بمحاولة إنهاء الاقتتال بين قبائل القيسية واليمانية، ولم ينجد واليه، ما يعني أنّ البلاد، في أواخر عهدها، كانت واهنة تماما، قبل سقوطها، وقيام الدولة العباسية على أنقاضها، والتي بدات رحلتها من خراسان!
 قد تختلف ظروف عراق اليوم عن ظروف دولة بني أمية في أواخر عهدها، لكن الفتن والحوادث تكرر نفسها، ولو بأشكال مختلفة، وهو ما ينبغي التحوط منه باستمرار. يستهين بعضهم بالمناكفات التي نسمعها يوميا، سواء بين الدول المتنافسة على العراق، أو بين ساسة البلاد والقائمين على أمرها، وكذلك بين فئات من المواطنين العراقيين أنفسهم، ممّن اختلفت أهواؤهم بعد انتفاضة تشرين، مصدر هذه الاستهانة، اعتقاد الكثيرين، ألّا شيء سيحدث، وأنّ كل شيء متفق عليه مسبقا! هذا الكلام، وإنِ انطوى على قدر من الصحة، لكن الركون اليه، يعني الدعوة الى الاستسلام لنظرية المؤامرة، بالاضافة الى الإقرار بالعجز عن القيام بأيّ دور، فقرار واحد في لحظة تاريخية مرتبكة كالتي نعيش، قد ينتقل بالبلاد الى محطة قاسية، يصعب العودة منها. المواجهة بين أميركا ومعسكرها، من جهة، وبين إيران ومعسكرها، من جهة أخرى، قائمة، وهي ليست بالضرورة عسكرية تقليدية، وإنّما بأدوات مختلفة، من بينها استثمار العامل الجيوسياسي للضغط على الخصم، وهو ما يجري العمل عليه الآن، وفق تسريبات غير مؤكدة. الحديث عن (الإقليم السني) لم يأتِ اعتباطا، وإنّما له جذر قريب، وتصاعد بقوة في السنين الماضية، إضافة الى ما سمعناه عن إقليم نينوى أو صلاح الدين وغيرها، وهناك، في الخارج والداخل، من يدفع بهذا الاتجاه، لأكثر من غرض، ليس بينها واحد لمصلحة العراق، وهو ما ينبغي الحذر منه والتصدي له، منوهين الى أن إعلان هذا الإقليم، يعني، عمليا، إكمال تقسيم العراق، لأن إقليم كردستان قائم وشبه مستقل، ويعني، كذلك، أن أميركا ضمنت موقعا جيوسياسيا، يؤمّن لها قطع الطريق على إيران باتجاه سوريا ولبنان، وسيتعزز وجودها مستقبلا في الإقليم المقترح، بإنشاء قواعد ثابتة، وصياغة واقع سياسي متناغم مع مزاجها هناك، مستثمرة حالة التذمر من العملية السياسية المشوهة في بغداد. الكلام، كذلك، عن تحول الانتفاضة في العراق من سلمية الى مسلحة، يجب ألّا نستهين به، ونؤكد مرة أخرى، أن هناك من يريد جرّ العراق الى مستنقع دم جديد، فالقوى الخارجية والداخلية نفسها، تعمل على الدفع بهذا الاتجاه، لإحداث فوضى عارمة، على أمل أن تحسم كل جهة الأمر عسكريا لصالحها. نعم، علينا جميعا أن نحْذر ونحذّر من خطورة الأمر، وأن دماء العراقيين ووحدة العراق أهم من كل المكاسب السياسية وغير السياسية، وهو ما يجب أن يضعه الجميع أمام أعينهم، قبل كل شيء. 
نعم، الحرب مبدؤها الكلام دائما، وقبل أن يولد نصر بن سيار وتقوم دولة بني أمية، وبعد خرابها كذلك.