الخطة السكانية

آراء 2020/02/23
...

أماني النداوي

الإعلان عن خطة السكان الخمسية في العراق ليس خبراً عادياً، فهو يخص كلّ مواطن، ويرسم مستقبل المجتمع ونموه وتطوره. لكنه مرّ مرور الكرام، في وسائل الإعلام، في ظل تصاعد ضجيج الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية، التي نجمت في الحقيقة من العشوائية وغياب التخطيط.
  وزارة التخطيط أعلنت أنّه "تم إطلاق الخطة الخمسية (البرنامج القُطري) 2020-2024 لصندوق الأمم المتحدة للسكان"، مبينة "أهميتها في تعزيز العمل السكاني وفقاً للأولويات التي تمّت بلورتها مع الشركاء كافة، في القطاعين العام والخاص، وبرامج الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".
 يستند البرنامج السكاني على تعاون جميع الشركاء مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في توفير البيانات الإحصائية الدقيقة ودعم تنفيذ التعداد العام للسكان المقرر خلال العام الحالي، ودعم برامج الصحة الإنجابية والجنسية وتنظيم الأسرة، والمساهمة في تطوير النظام الصحي العام، والعمل على تحقيق أهداف الستراتيجيات الوطنية، وتوفير البيانات الإحصائية عن الشباب، وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ودعم المسوح الإحصائية في المجالات الصحية والاجتماعية.
تلك أبرز محاور الخطة السكانية التي أطلقتها وزارة التخطيط عبر تصريح لوزيرها، ومن أهمها التوكيد على إجراء التعداد خلال هذا العام، كما هو مقرر منذ أشهر، وقد ظل التعداد مؤجلاً طوال ثلاثة عقود، في حالة عراقية فريدة على صعيد العالم، نتيجة الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة، وقد ترتب على ذلك نقص المعلومات والإحصائيات والأرقام، التي أدّت إلى سوء التخطيط، وتراكم الأخطاء التي تحولت إلى ظواهر، ثم تفجرت أخيراً في أزمات مستعصية في مجالات الأيدي العاملة والتعليم والصحة والسكن وغيرها من الخدمات الضرورية، وقد تفاقمت تلك الأزمات في ظل بيئة إدارية يشلها الفساد.
يفترض أن تضمّ الخطة السكانية المعلنة رؤية تخطيطية علمية مستقبلية لتنظيم عدد السكان المتزايد من دون ضوابط، إذ يقترب عدد سكان العراق من أربعين مليون نسمة، وما تزال عادات الإنجاب خاضعة لقيم اجتماعية متوارثة تقوم على العشوائية الكاملة، وينبغي أن تترابط الخطط التنظيمية الإنجابية مع قدرات الدولة وإمكانياتها الاقتصادية في الحاضر والمستقبل، ويمكن الاستفادة من النمو السكاني المرتفع في التعامل مع هذه الثروة البشرية باعتبارها طاقة للبناء والإنتاج، عبر تحديث طرق التعليم ودمج برامجه ومخرجاته في سوق العمل والتوظيف ومعالجة مشكلة البطالة، في ضوء مؤشرات احصائية حقيقية دقيقة.
هناك مشكلات أخرى مرتبطة بالتعداد السكاني والتخطيط، في مقدمتها أزمة السكن المستمرة منذ عقود، والمتزايدة في المستقبل القريب، من دون وجود مخططات سريعة لسد العجز الفادح في الوحدات السكنية الذي يقدر حالياً بنحو خمسة ملايين وحدة، وبالمقارنة بين عدد السكان والمساكن، فإنّ كل تأخير في المعالجة سوف يضاعف العجز في ضوء الزيادة المضطردة في عدد السكان، ولا شك أن نقص المساكن والبناء العشوائي الحالي سيكون قنبلة ديموغرافية وقودها الفقر. يعاني المجتمع من تردٍّ واضح في الخدمات الصحية ونقص عدد المستشفيات الحكومية وعدم توفر الأجهزة وفقدان الأدوية، وقد تحول أغلب المواطنين نحو مراجعة القطاع الطبي الخاص.