أصل النظام المحاصصي

آراء 2020/02/24
...

د. سعد العبيدي
تطفو على أسطح السياسة والإعلام، في وقتنا الراهن، انتقادات من سياسيين موجهة، بقدر لا يخلو من التعميم، إلى مكونات سنّية وكردية، من أنّهم وحدهم ما زالوا متمسكين بالنظام المحاصصي في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة المراد تشكيلها برئاسة السيد محمد علاوي، وهي انتقادات وإنْ بنيت على جزء من الحقيقة، إذ ارتفعت أصوات بعض تلك المكونات مطالبة بأنْ يكون الاختيار كما كان سائداً حسب النِسب، ومن خلال دروب السياسة، لكنها انتقادات من الناحية المنطقية فيها تجافٍ للحقيقة، إذ إنّ جميع المكونات، وبينها المكون الشيعي الذي يشكل الأغلبية، لا يرضى بتجاوز نِسبه في حكم البلاد، وهذا بحد ذاته فكر محاصصة! وهنا تجدر الإشارة، لو أنّ السيد علاوي المكلف بالتشكيل، أو غيره، بادر، ولأغراض منح الثقة لباقي المكونات، باختيار وزراء ورؤساء مؤسسات، ثم أخذ، في سبيل تحقيقه، قليلاً من حصة الشيعة، أو بمعنى آخر لو أنقص حصتهم تبعاً لتمثيلهم في عدد السكان، لوجدنا أصواتاً منهم تظهر لتنتقد وتطالب أن تكون النسبة حسب التمثيل العام في السكان، ولظهرت أصوات لا تحتج فقط على توجهاته، بل ستطالب بالقصاص.
إنّ المحاصصة، هذا النظامَ الشاذ، الذي اتُّهم بإيجاده وتسويقه النظام الحالي بعد سقوط صدام 2003، هو اتّهام في واقع الحال غير صحيح، ولا يخلو من الانحياز الطائفي المحاصصي. إذ لو رجعنا قليلاً إلى الوراء، ستظهر الصورة أمامنا واضحة، وأنّ هناك مبالغة في الاتهام، وأنّ هذا النظام كان موجوداً منذ تأسيس الدولة العراقية، إذ كان يحسب عدد الوزراء الشيعة والأكراد في الحكم الملكي، وكذلك في عموم الجمهوريات، وأصبحت واضحة مثل هذه الحسابات حتى في سني حكم البعث وصدام حسين، يوم كانت المغالاة على أشدها في حكم العرب البلادَ والانحياز إلى جانبهم قومياً، وأنّه نظام بات جزءاً من نهج التفكير في عموم العراق، تحسه الأقليات في علاقتها بالحكم، وتغالي في تطبيقه الأغلبية في الحكم، يرجع في الأساس إلى عوامل الثقافة والنضج، وإلى الظلم في النظرة إلى الآخر، وعلينا أن نكون أكثر جرأة في مناقشته موضوعاً حساساً ومهماً كهذا، ونعود في مناقشاته إلى الأصل، ونتذكر كيف كان الحكم قبل 2003 ينظر إلى الشيعة والأكراد نظرة ازدراء وشك وتقليل من الشأن، وكيف انقلبت النظرة بعد 2003، وبات فيها الحكام الشيعة ينظرون إلى السنة والأكراد نظرة سلبية وأكثر في بعض الأحيان. 
إنّه واقع خطأ لا يصلح من شأن البلاد، يتم تجاوزه من خلال تبادل الثقة في أجواء تقبل وتفاهم وتضحية، والتضحية الأصوب تأتي من الأخ الأكبر، وهو في موضوعنا هذا المكون الشيعي، إذا ما بادر أصحابه وأعطوا من حصتهم لغيرهم وغيروا من نظرتهم لباقي المكونات سيجدون أنّهم من أسس لإنهاء المحاصصة وهم من بنى العراق.