د.مصطفى الناجي
يعد نظام الميليشيا واحدا من أهم الدعائم الراسخة والأساسية للثقافة السياسية في سويسرا . ويشير إلى مبدأ تنظيمي شائع في الحياة العامة في سويسرا. اذ يمكن لأي مواطن ، ذكراً كان أم أنثى ، يعتبر نفسه قادرا على القيام بواجبات ومسؤوليات عامة على أساس التفرغ أو العمل الطوعي ان يكون عضوا في ميليشيا تطوعية داخل الحدود السويسرية سواء في قطاع الجيش او الشرطة او فرق الإطفاء
تأريخيا؛ ،طُبق نظام الميليشيات لأول مرة في سويسرا ، في السياق العسكري ،المتمثل في تسليح الشعب . و كان هذا النوع من التجنيد موجودا بالفعل في العصور الوسطى في بعض الكانتونات الكونفدرالية تحت اسم (مجموعة اليقظة ، أو جيش الشعب ) مقارنة بالجيش النظامي ، ومن ثم تمت استعارة المصطلح في القرن السابع عشر ، وفي وقت لاحق أيضا استخدم هذا النظام في المجال السياسي
والخدمي .
لقد وضع المفكر السويسري جان جاك روسو (1712 - 1778) المبدأ الفيدرالي السويسري لهذا النظام بشكل منهجي تحت اسم (جيش الشعب) في الاعتبار عندما كتب في عام 1772 ، في رأيه حول المراجعة الكاملة لدستور بولندا بعد عودته من المنفى في سويسرا: 'Tout citoyen doit être soldat par devoir، nul ne doit l'être par métier. Tel fut le système militaire des Romains؛ Tel est aujourd'hui celui des Suisses؛ tel doit être celui de tout État libre ( يجب على جميع المواطنين أن يعتبروا جنودا واجبهم ليس كمهنة. كان هذا هو الحال مع النظام العسكري الروماني ؛ هكذا كان الحال مع النظام السويسري اليوم ؛ وينبغي أن يكون هذا
هو الحال مع أي دولة حرة ) ، ثم أخذ نظام (الميليشيا)
دوره الطبيعي في اول دستور بسويسرا (دستور هلفتيك) عام 1798 مع ولادة الدولة الحديثة متأثرا بنموذج الجيوش الثورية الفرنسية والأميركية. وتحديدا في المادة (25) بالنص ((كل مواطن مولود في أرض الوطن هو جندي)) ،ومن عام 1830 فصاعدا ، تبنت الدساتير الكانتونية المُعاد تشكيلها أيضا هذا المبدأ.ثم وافقت الدساتير الفيدرالية
لعامي 1848 و 1874 على الخدمة العسكرية الإلزامية (التجنيد الإجباري) وحظرت على الحكومة الفيدرالية الاحتفاظ بجيش دائم. الا ان التعديل الدستوري عام 1999 أعاد العمل بنظام (الميليشيا) بموجب المادة (58) من الدستور التي تنص صراحة على أن" لسويسرا قوات مسلحة،وهذه القوات المسلحة منظمة طبقاً لنظام الجيش
الشعبي .
ان الفكرة الاساسية التي يقوم عليها نظام الميليشيا في سويسرا ترتكز على الفكرة الجمهورية القائلة بأنه يجب على كل مواطن مؤهل أن يتحمّل، على أساس فخري، وظائف وواجبات عامة" وعلى تفضيل آخر بان يمارس المواطنون المستعدون لتخصيص بعض أوقات فراغهم للصالح العام بدلا من الاعتماد على الجيوش النظامية ،ليصبح هذا السياق مبدأ تنظيميا واسع النطاق في الحياة العامة السويسرية ، بمعنى آخر يمكن القول انه في السياق السياسي والمؤسسي السويسري ، فإن مصطلح "الميليشيا" الذي يُفهم على أنه عبارة عن تعريف للمهنية هو أن شخصا ما يؤدي وظيفة عامة ويجمعها مع مهنة أخرى.وهكذا ، في دولة ديمقراطية تشاركية ، لا يتمتع المواطنون بالحق في التصويت والانتخاب فحسب ، بل لهم أيضا واجب تولي المهام
والمسؤوليات.