عبارة ماركة (صنع في العراق) لها الوقع المؤثر بسياكولوجية المجتمع العراقي وبمخيلته لأن دلالاتها العميقة تحيلنا إلى المواطنة والتعلق بالعراق المقدس. ثمة اشتراطات لتطوير الأداء بالاقتصاد الوطني العراقي ينبغي توفرها، منها: الاستثمار الزراعي،
وتطوير الزراعة، البديل عن الاعتماد على النفط الذي يشكو من تذبذب الأسعار. كيف يمكن سد عجز الميزانية البالغ (٤٨) ترليون، ثمة أسئلة مُلحة كيف يستطيع الاقتصاد العراقي تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها جميع المتظاهرين؟ أرى الجواب ألّا إصلاح إلّا بتنمية بُنية وهيكلية الاقتصاد العراقي، وخطوات عملية راكزة ليست ترقيعيَّة وفق خطط المصلحة الوطنية لتقليل البطالة بتكافؤ الفرص بالتعيين المركزي ومجلس الخدمة، وإحصاء السكان، فالتعداد السكاني الدقيق يقدم الإحصائيات التي تنفع المخطط بوضع الستراتيجيات، وإعادة ما أهمل واندثر بتحديث ماكنة الصناعة ليعود (صنع في العراق) بتوفير المناخ الملائم للاستثمار لأنَّ رأس المال -جبان- نأمل عودة صناعتنا إلى واجهة الأسواق، وتقليل الاستيراد للحفاظ على العملة الصعبة، فالإصلاح الاقتصادي يحتاج خطوات عملية وفورية.
بكتاب (تاريخ الفكر الاقتصادي الماضي صورة الحاضر) لجون كينيث جالبرت ت- أحمد فؤاد بلبع، يؤكد في ص 302: (الحقيقة الحاكمة هنا هي ببساطة أنّه في بلد غني لا تكون فرادى الأسعار فيه ذات أهمية شديدة من الناحية الاجتماعية، ففي العالم السابق الذي يسوده الفقر، كانت تكلفة الغذاء والكساء والوقود والمأوى مقياساً عميقاً لمعاناة الحياة أو الاستمتاع بها). بالطبع تلبية حاجات الفرد تحقق آماله وتنهي آلامه.
فالتخطيط العلمي للنهوض بالواقع الصناعيّ العراقي طموح مشروع، والصناعة العراقية طوال القرن الماضي كانت تلبي السوق المحلية بمنتجات متنوعة محققة الاكتفاء المجتمعي، بل تصل لأسواق الجوار والعالم وماركة (صنع في العراق) لها الحضور في السلع المنزليَّة والأجهزة الكهربائيَّة المختلفة في مصانع منشأة الزوراء والدقيقة وبغداد وديالى تسد السوق المحليَّة خلال عقد السبعينيات، فضلاً عن الصناعات الثقيلة كصناعة الحديد بالبصرة، والسمنت بالكوفة والموصل، والسيارات وتجميعها بالإسكندرية، والأنسجة الصوفية والألمنيوم بالناصرية تصل صادراتها لأسواق عدة، وصناعة الأدوية بسامراء، والسكائر وغيرها. أمّا التمور من البصرة والحلة وكربلاء فتصل للأسواق العالميَّة، كذلك يحقق العراق الاكتفاء الزراعي بعشرات المحاصيل الزراعية القمح- الشعير- الشلب – السمسم –الفواكه- الخضراوات وغيرها، فضلاً عن توفر الثروة الحيوانيَّة وجودة الأصناف.
وسبب تراجع صناعتنا الوطنية هي السياسات المتهورة للنظام السابق وحروبه التي دمرت البنى التحتية، وقصف جميع المصانع بطائرات التحالف. السؤال الحيوي هل بإمكان العراق النهوض؟ الجواب: نعم، بسبب ما يمتلكه العراق من ثروات مُستغلة وغير مُستغلة، وكأهم البلدان المُنتجة للنفط، وتوفر التربة الملائمة للاستثمار، والتنوع الطوبوغرافي من الجبال للسهول للهضبة والبادية، والخزين الهائل من الثروات غير المستغلة من المعادن الثمينة النادرة، بالطبع الثروة الزراعية مكملة للنهوض الصناعي فالمحاصيل الزراعية كزراعة القطن توفر صناعة نسيجيَّة وهكذا، وهذا هو السبيل لإنجاح التحولات الصناعيّة العراقية. الزراعة العراقية تحتاج الى خططٍ خمسية، وتعاون مع تركيا على توفير الحصة المائيَّة حسب القانون الدولي للدول المتشاطئة، والتي تقع على مجرى النهر تتفق على توفير المياه للزراعة والاستخدام البشري والحيواني وعدم الإضرار بإقامة السدود المانعة على تدفق جريان المياه.
يحتاج العراق لهيكلة تنظيم المياه وعدم تبديدها، واستخدام زراعة التنقيط، واستثمار المياه الجوفية فالمياه الثروة الضامنة للحياة، أسوة بما لمسناه من تجارب دول بدأت بمنهجية علمية بالزراعة لدعم صناعتها، وتوفير الاكتفاء للحفاظ على العملة الصعبة وعدم هدرها بالاستيراد غير المسوغ.
يرافق ذلك الاستيراد بلا ضوابط! إنّ استخدام رأس المال العراقي القادم من الصادرات النفطية باعتبار الاقتصاد العراقي اقتصاداً ريعياً أحادي الجانب بحسن الاستثمار للتنمية الصناعيَّة، وتقليل البطالة، الادخار، الاستثمار الستراتيجي.
يشار الى أنَّ مذكرة التفاهم مع الصين التي وقعت ورغم الاعتراضات والمخاوف، وللمواطن حقه بمعرفة التفاصيل، والخشية من المدة الزمنية الطويلة كان بالإمكان استثمار الـ 100 ألف برميل إلى 300 ألف برميل لفترة 10 أعوام بدلاً من مدة مفتوحة تصل إلى 50 عاماً، مع اشتراط أنْ تكون الشركات الرصينة المعروفة، فالصين لديها درجات بالتصنيف
العالمي.
وعي المواطن العراقي اليوم مع تنشيط الصناعة العراقية وتطوير الأداء الصناعيّ وعودة المنتج العراقي (صنع في العراق)، الوطن الذي اخترع الكتابة، والعجلة، والتعدين قادرٌ على النهوض من كبوته الزراعية والصناعية بتحقيق العدالة والقضاء على الفساد المالي
والإداري.
العمل بمبدأ النزاهة والإخلاص يمكن الوطن من تجاوز محنته وحل كل الإشكاليات التي يواجهها الشعب العراقي. (صنع في العراق) أملنا المرتجى في تطوير الصناعة العراقيَّة.