عـنـدمــا يتـرك الــمـرء ساقيــه فــي اليمـن !

بانوراما 2020/02/25
...

ترجمة: بهاء سلمان  تشينا كابور، نقلا عن الجندي اليمني منصور علي
 
كنت ممددا على الأرض، مشوشا وأصرخ من شدة الألم ومختنقا لا أقدر على التنفس. شاهدت أصحابي، جنود مثلي، يسيرون نحوي؛ يسيرون ببطء وبحذر حقا. بدا لي تصرفهم غريبا، ومن ثم اتضح الأمر لدي: لقد كانوا يحاولون تجنب الوطئ على أحد الألغام الأرضية.
 
 
لغم أرضي آخر، بعدها تذكرّت: لقد دست على أحد الألغام. أنا أتيت من إحدى الأسر الفلاحية للحديدة، المنطقة الواقعة شمال غربي اليمن. كنا؛ أنا ووالدي واشقائي الأربعة؛ نعمل في حقلنا الصغير لغاية سنة 2017، الى حين تعرّض والدي، وهو إمام جماعة لأحد المساجد أيضا، للاحتجاز من قبل الميليشيات. كما قامت قواتهم بزرع ألغام أرضية في حقولنا الزراعية، ومن ثم ، التحقنا أنا واخوتي بالجيش لمحاربتهم، وتم اطلاق سراح والدي بعد سنة، لكننا بقينا جنودا في الخدمة ضدهم.
وفي احدى ليالي شهر أيلول 2018، وخلال دورية ضمن منطقة الحديدة، دست على أحد الألغام الأرضية. بعدها، نقلوني الى مركبة، وبواسطتها وصلنا الى مستشفى تبعد ساعتين عن موقع الانفجار؛ وكنت انزف وفاقدا للوعي، وكان الألم يطحنني. عندما افقت بعد ذلك بعدة ساعات، أبلغوني بفقداني لكلا ساقي. لم يسعني تصديق ذلك، وأعاد أحد الاصدقاء العبارة علي مرات عدة قبل أن أقتنع بتلك الحقيقة المرة، فشرعت بالبكاء.
قال لي صديقي أن بقايا ساقيّ قد تم دفنها في موقع الانفجار. ومع تمني الأطباء لي بالخير، أكدوا سرعة شفائي، لكن امورا مثل جلب قدح ماء أو فتح الباب للطارق صارت مستحيلة بالنسبة لي، حينها استشطت غضبا على الكون برمته. أما الدكتور فيجاي شارما، استشاري تقويم العظام بمستشفى ميديور بالعاصمة الهندية دلهي، فقد أخبرني بضرورة اجراء عدة عمليات جراحية لتصحيح العظام قبل التمكن من تركيب أعضاء صناعية. وأثناء ما كان الأطباء يجرون عمليات معقّدة لفترة زادت على الأربعة أشهر، ركزّت على العودة للديار، والعمل مع الجيش.
 
روايات مختلفة
خلال تلك الأشهر الأربعة، شهدت وصول عدة جنود يمنيين، يتلقون العلاج ويكتسبون الشفاء ويرحلون. كان صديقاي هلمنغ محفوظ ومحمد عواد يتلقيان العلاج قريبا مني، وعملت صحبتهم الطيّبة على ابعاد الأفكار الكئيبة والسلبية عني، لكنني واصلت التركيز على العودة الى الحديدة.
للأسف، تعرّضت عدن للتدمير الكامل والاستيلاء من قبل الطرف الآخر، والناس يتعاركون مع بعضهم البعض لأجل الحصول على الطعام والماء. عاشت عائلتي معتمدة على الدعاء والصلاة، متطلعة لعودتي بالسلامة لمدة قاربت على العام؛ ورغم فقداني لساقي، امتلكت الشجاعة والارادة للعودة. كما تفاعلت مع أقراني من المرضى، متأكدا من شعورهم بالراحة، وطلبت لهم وشاركتهم الطعام الهندي، ودعوتهم الى غرفتي لمشاهدة الأفلام الهندية أو مباريات الكريكيت عبر التلفزيون. التفاعل مع الآخرين ومعرفة قصصهم من الوطن منحتني المزيد من الأسباب الموجبة للعودة.
برغم كل شيء، أنا أرفل بنعمة كبيرة، فالعديد من أصدقائي وأفراد أسرهم فقدوا حياتهم بسبب هذه الحرب، وأنا محظوظ لعدم ملاقاتي المصير نفسه ، إلا إننا ومع قرب حلول نهاية السنة الخامسة لهذه الحرب الأهلية، يتذكر الجميع كيف كانت الحكومة مقادة آنذاك من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي والحوثيين؛ وكيف فقد الآلاف أرواحهم بسبب هذه الحرب، البعض يقدرهم بنحو7500 فرد، وهذا لا يشمل الأشخاص الذين ماتوا بسبب المجاعة التي نتجت عن الحرب.
وبينما لست متيقنا أبدا من مقدرتي على السير مجددا، حتى مع تركيب الأطراف الصناعية، فأنا أعرف أمرا واحدا: أنا سأبقى حيّا لأرى بلادي حرة، وبحلول الوقت الذي تنشر فيه كلماتي، سأكون موجودا في اليمن، ساعيا لايجاد وسيلة للقتال مرة أخرى.