لن تكون عملية التصويت على الحكومة الجديدة بالسهولة التي يتوقعها بعضهم، فمن خلال قراءة واقعية للعملية السياسية، للسنوات الماضية، يمكننا القول إنّ القوى السياسية تتعامل مع العراق على أنّه دولة مكونات، وأنّ تشكيل الحكومات وتوزيع المناصب لا بدّ أن يكون وفق مبدأ التوافق، لأنّ كل حزب أو مكوّن في الحكومة يبحث، أولا، عن مصالحه ومكتسباته على حساب المصالح العراقية الوطنية العليا، فالتمسك بمبدأ التوافق ما زال واضحا لدى القوى السياسية العراقية من خلال شروطها المعلنة وغير المعلنة، وذلك على حساب طموحات ومطالب المتظاهرين في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة. ولقد كشفت القوى السياسية عن حرصها على مصالحها القومية والطائفية وما زالت تعلن عن ذلك، ولهذا لن نجانب الحقيقة إذا ما قلنا إنّ العملية السياسية في العراق تفتقد إلى الثقة بين الشركاء وفشلت في ترسيخ مفاهيم المواطنة لدى معظم السياسيين المشتركين فيها بسبب ابتعادهم عن الانتماء للهوية الوطنية، وإصرارهم على العمل على أساس الانتماء للمكوّن، أو الحزب، أو الطائفة، والاعتماد على هذه الانتماءات الضيّقة في الصراع على السلطة والمناصب الوزارية، وهذا ما جعلنا نذهب باتجاه دولة المكونات التي يحرص كل طرف فيها على الحصول على مكاسب له ولحزبه أو مكونه بعيدا عن مصالح الدولة.
لهذا نجد أنّ الدولة العراقية اليوم تسير باتجاه الابتعاد عن مفهوم دولة المواطنة، والسبب يعود إلى تذويب الهوية الوطنية على حساب الانتماءات الأخرى، وهذا ما تكرسه نتائج الانتخابات في العراق والائتلافات التي تقوم على هذا الأساس، وكل هذا جعلنا نبتعد أكثر عن بناء الدولة، التي يرى بعضهم أنّ ما يميزها بمفهومها الوطني الشامل، عن بقية المكونات والجماعات الأخرى في المجتمع، هو ذلك الاعتراف الاجتماعي الذي يعطيها حق طلب الطاعة لها من المواطنين بالقدر الذي يخوله الدستور والقانون، ويعطيها هذا الحق الأولوية على كل المكونات وكل الجماعات الأخرى في المجتمع مثل الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية المختلفة والمكونات الدينية والطائفية والإثنية، بما يعزز أمن الدولة وقانونها. ولقد غابت هذه الرؤية لمفهوم الدولة عن المشهد السياسي العراقي لنكتشف بأنّ الآليات الديمقراطية في العراق فشلت في بناء دولة الشعب الواحد، أو دولة المواطنة، فأصبحنا أمام دولة عمد كل طرف فيها على تضمين الدستور العراقي 2005 لمواد تحفظ له حقوقه في غياب واضح للثقة بين ممثلي المكونات العراقية، والذي نتمنى ألّا يجرّنا إلى انعدام الثقة بين المكونات نفسها لأنّنا حينها سنكون أمام مشكلة اجتماعية خطيرة.
نود أن نشير هنا بأن دولة المكونات كانت الحصيلة الطبيعية لنظام المحاصصة الطائفية التي خضعت له العملية السياسية عبر السنوات الماضية، والتي تم تقسيم السلطة على أساسها، ولذلك علينا أن نستثمر الوضع الحالي، ونقصد هنا الاصلاحات الجديدة التي ستأتي نتيجة الاحتجاجات والتظاهرات لنسعى إلى بناء دولة المواطنة ودولة المؤسسات. وعلى الناخب العراقي أن يكتسب البعد السياسي والثقافي الذي يؤهله لإنتاج الطبقة السياسية بعيدا عن التداخل الإثني والمذهبي.