تشخيص الفقر

اقتصادية 2020/02/28
...

ثامر الهيمص
 
العدالة الاجتماعية تختلف عن المساواة، وتزداد الفجوة اتساعاً بينهما عندما يكتنف تطبيقها سوء أداء واستغلال او فساد، ما يعمق التفاوت في الحقوق والواجبات.
وقد أعلنت وزارة التخطيط أن نسبة الفقر في العام 2018 في المحافظات تعكس التفاوت المناطقي، فعندما تكون نسبة الفقر في محافظة المثنى 52 بالمئة، تليها الديوانية بنسبة 48 بالمئة وذي قار 44 بالمئة وميسان 45 بالمئة ونينوى بنسبة 37 بالمئة، في حين تتمتع بغداد بنسبة 10 بالمئة والبصرة 16 بالمئة والانبار بنسبة 17 بالمئة والنجف 12 بالمئة والسليمانية 4 بالمئة، لا نتوقع تحسن معدلات الفقر في العام اللاحق، لاسيما بعد انفاق 17 بالمئة من الموازنة الاستثمارية وبعد العجز في موازنة 2020 غير
الاعتيادي.
فجدول الفقر سيراوح في مكانه او يتراجع حسب طبيعة الامور في الاقتصاد الكلي، فلا شك ان الفقر موروث متراكم قبل 2003 مناطقيا ولذلك ان الأفقر من المحافظات هم متجاورون متجانسون 
اقتصاديا. 
فهل نخرج بتشخيص من أنّ الاقتصاد الريعي المركزي لم يعالج موروث السياسة المناطقية في الاقتصاد رغم وجود ممثلين للمناطق الفقيرة في السلطة التشريعية؟، وهل ان الثروة النفطية المركزية كانت لا تسد جدول المساواة او العدالة؟، وهل ان الليبرالية الاقتصادية اسهمت بردم الفجوة بين المناطق من خلال الاستيراد الاستهلاكي والاغراق
السلعي؟.
الاجابة سلبية عن مثل هذه التساؤلات، رغم توفر عنصرها المالي والاقتصادي لأنّ الرهان انتفى بالاعتماد على الريع النفطي خصوصا من ناحية الاسعار لأن قراره مرهون بالعرض والطلب العالميين.
كما ان الليبرالية الاقتصادية لم تعالج التفاوت وجداول الفقر، وهذا اجمالا يعود لغياب الاقتصاد الحقيقي بجناحيه الزراعي والصناعي.
فقد دفعتنا الليبرالية الاقتصادية الى احالة 169 معملا وشركة للخصخصة التي لم تكن حلا جذريا، اذ أدت سياستها في الاستيراد المنفلت الى توقف 36 الف مشروع متوزع بين مشاريع صغيرة
وكبيرة .
اعتمدت بعض المناطق (منخفضة معدل الفقر) على بنيتها السابقة باغلب عواملها الاساسية في الزراعة او النشاط الزراعي والصناعي او الخدماتي، ورغم ذلك تعرضوا لتسونامي الاستيراد والاغراق السلعي، وهكذا انخفضت حصة الزراعة والصناعة من الناتج القومي الى اقل من 10 بالمئة، وحصلت تشوّهات معززة للتفاوت والفقر بتعاظم القطاع غير الرسمي الذي يشمل جميع من يعملون بدون عقود رسمية خارج الانظمة الحكومية والضرائب، كما جاء في تقرير اليونسكو بعنوان القطاع غير الرسمي في العام 2019، وترتب في ضوء ذلك ارتفاع عدد العاملين في القطاع غير الرسمي الى ثلثي العاملين في العراق، ما سبب التشوه الاقتصادي 
والاجتماعي.