محمد شريف أبو ميسم
صار من التهكم والسخرية أن يشار الى إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1981، حيال كمّ التدخلات الخارجية التي تتعرض لها بلدان الشرق الأوسط على وجه التحديد من قبل الدول المتصارعة على مستقبل هذه المنطقة الحيوية من العالم. وحتى القانون الدولي الذي اعتمد هذا الإعلان، وبقوة، بوصفه أساسا محوريا لميثاق الأمم المتحدة، الذي عادة ما يطرح في اللقاءات الدبلوماسية كداعم رئيس للسلام العالمي، بات الخوض فيه محط سخرية العوام من الناس، إزاء قدرة الدول الكبرى في تأويل نصوص هذا القانون وتفتيت مبادئه عند الضرورة. أمّا الاشارة الى المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة التي لا تمنح الأمم المتحدة ذاتها حق التدخل في الشؤون التى تكون من صميم السلطان الداخلى لدولة ما، باتت محض خرافة، بعد أن عجرت هذه المنظمة الدولية عن تفعيل ما لديها من نصوص تحد من سطوة الأقوياء وتتصدى لمسوغ التدخل.
ففي كل مرة تتعرض فيها دولة من دول الشرق الأوسط لتدخل خارجي سافر، كان المعتدي، ومن منطلق القوة، يسوغ هذا التدخل ويمنحه الشرعية، في ما يكتفي الأمين العام للأمم المتحدة بالتعبير عن قلقه وهو يمسد ربطة عنقه داعيا لضبط النفس.
فأيّ عالم هذا الذي نعيش فيه ونحن نتلقى يوميا تصريحات تسوغ العدوان بالدفاع عن المصالح، في انتهاك صارخ للمبدأ الأساسي الذي يقوم عليه ميثاق الأمم المتحدة القائل «بأنّ من واجب جميع الدول ألّا تهدد باستعمال القوة ضد سيادة الدول الأخرى، أو استقلالها السياسي، أو سلامتها الإقليمية» في ما توسم القوى الوطنية الرافضة للعدوان بالميليشيات تارة وبالإرهاب تارة أخرى، وهي تذود عن بلادها وشعوبها، وفق ما يؤكده الميثاق في حق الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية، أو الاحتلال الأجنبي، في تقرير المصير والاستقلال. في وقت يؤكد فيه هذا الميثاق على عدم بلوغ أهداف الأمم المتحدة في الاستقرار والسلم الدوليين إلّا في ظروف تتمتع فيها الشعوب بالحرية وتتمتع فيها الدول بالتساوي في السيادة وتفي تماما بمتطلبات هذين المبدأين في علاقاتها الدولية.
لقد بات جليا حجم الانتهاكات والتدخلات السافرة التي تمارسها بعض الدول الكبرى وحلفائها في المنطقة وبعض الدول الأقليمية الطامحة بالنفوذ والشراكة في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، بدعوى الحيلولة دون تهديد «السلام والأمن الدوليين» بموجب ما يتم تأويله من نصوص الفصل السابع من الميثاق، أو الدفاع عن المصالح حتى انقلبت قراءة الميثاق على استحياء لتكون دول المنطقة وشعوبها هي التي تتدخل في شؤون «مصالح الدول المعتدية».
كل هذا لا يبدو غريبا بحجم الغرابة الناجمة عن اجترار بعضهم مقولة «تجزئة المجزء» بدعوى إضعاف دول المنطقة وزيادة الهيمنة عليها، في ما تقترب ملامح مشروع الشرق أوسط الكبير، القائمة على إزالة حدود الدولة التي ظهرت بعد (سايكس بيكو) أكثر فأكثر، تحت مظلة العولمة الاقتصادية والثقافية في إطار ليبرالي، لضمان تدفق حركة الأفراد والأموال والتجارة والتغيير الديموغرافي بما لا يمتّ بصلة للهوية الوطنية لشعوب المنطقة، وبما يجعل من سلطة رساميل العولمة المتحكم الوحيد في صناعة القرار بالتشكيلات السياسية التي ستتذكر على المدى البعيد أنّها كانت تحمل مسمى دول. وهذا هو سر تكالب قوى دولية وإقليمية أخرى ذات نفوذ اقتصادي وعسكري، على البحث عن موطئ قدم في مشروع الشرق الكبير الذي بدأ فصله الأخير منذ انطلاق ما سمّي بثورات الربيع العربي، مرورا بإعلان صفقة القرن، لضمان تواجدها في مستقبل هذا المشروع على هذه المنطقة الحيوية من العالم.