حسين علي يونس
منذ سنوات لمحت كراسة قديمة لدى بائع كتب مستخدمة، كانت تحمل العنوان الذي طالما ذكر كمرجع تأسيسي من مراجع قصيدة النثر "آكل الأفيون"
كنت مفلسا كالعادة، وحاولت أن أسرق الكتاب، الذي نشر في منتصف الثلاثينات، لكن صاحب المكتبة كان ذئباً فلم أستطع أن أضم ذلك الكتاب، الذي اتضح في ما بعد أنّه أحد كتب الحداثة المدثرة من قبل أولئك الذين صدّعوا أدمغتنا بالنقل، ولم يقدروا هذا النص حق قدره، واكتفوا بالإشارة إلى هذه "التحفة الخالدة " التي ألهمت الكثيرين وكانت (مفتاح قفل إبداعهم).
في البدء لا بدّ من القول إنّ (آكل الأفيون) ليس نصا عاديا، فهو يتأرجح بين الرواية وقصيدة النثر والمقالة التي تندرج في قالب البحث، رغم أنّ دي كوينسي نفسه يخبرنا، بين طيات نصه الاستثنائي، أنّه يقدم لنا رواية، ويفترض، داخل نصه، أنّنا سنقرأ هذه الرواية "النص " حتى النهاية. إلّا أنّ ما يقوله دي كوينسي لا يحلّ إشكال نصه المصنف بشكل تعسفي، فإذا اعتبرنا أنّ النص الذي كتبه (يتيه خارج الأجناس)، فهو، بالتاكيد، يأخذ من الرواية نبرتها السردية المحكمة التي لا تميل الى الحشو، وإذا اعتبرنا النص قصيدة نثر، فهو يعتمد على الجملة المشرقة، وإذا تبنّيناه كمقال يندرج في باب البحث، فهو يقدم مسيرة مبهجة للخيال. لا يختلف اثنان من الذين تأثروا بكتاب دي كوينسي وأعادوا كتابته بطرقهم الخاصة، على كثرتهم وتنوعهم، وبعد مرور قرنين من كتابته، على أهميته، لكنهم، للأسف، لم يقولوا لنا إنّ "آكل الافيون" كتاب رؤيوي، كتاب عدالة ومحبة وتسامح، موجّه إلى الناس الفقراء - رغم أنّه موجّه للأغنياء كذلك - الذين سحقتهم الحياة ويبحثون عن تخفيف أوجاعهم، كتبه رجل صاحب ضمير ويبحث عن السعادة والمساواة بين
البشر .