عباس الصباغ
هي وسائل الإعلام غير المهنية والمغرضة التي تمارس عملية تضليل الرأي العام للمجتمع أسوة بوسائل التواصل الاجتماعي المنفلتة لتؤدي جميعها دورها السلبي في تضليل الرأي العام وانحراف بوصلة قناعات الجماهير وتشتيت رؤاهم تجاه الأحداث، لا سيّما الساخنة منها، لذا غدت الحاجة ماسّة، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، إلى إقرار وتفعيل قانون ملزم يحدّ من ظاهرة استفحال الجرائم المعلوماتية، فضلا عن تقنين وسائل الإعلام وإخراجها من شرنقة الفوضى الإعلامية الخلاقة.
أن وضع ضوابط قانونية - أخلاقية لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، إضافة إلى تقنين بقية وسائل الإعلام، بتوجهاتها وأنواعها كافة، سيعكس الوجه الحضاري للبلد وعدم ترك الأمر على عواهنه من دون توجيه، وهذا ليس تكميما للأفواه أو لجْماً لها كما يدعي بعضهم، بل هو خريطة طريق لتوضيح ماهية حرية التعبير التي كفلها الدستور ووفق مبادئ حقوق الانسان، ولكن بشكل متحضر ومهني، فالكثير من الدول الديمقراطية في العالم الحر وضعت ضوابط قانونية ودستورية تكيّفت معها شعوبها وتفهّمتها كون هذه الضوابط من صلب مبادئ الدولة المدنية التي تديرها حكومات رشيدة ومجتمعات متحضرة وواعية.
أمّا مناسيب التضليل المتأتية من الفوضى الإعلامية عموما، ومن وسائل السوشيال ميديا ووسائل الإعلام خصوصا، فهي جزء لا يتجزأ من الفوضى الإعلامية / المجتمعية الخلاقة التي ضربت المشهد العراقي عموما بعد التغيير النيساني والموجّهة لتدمير التراصّ المجتمعي العراقي وتشتيت اللُحمة الوطنية العراقية، فالأمر مشترك بين واقعين الأول إعلامي والثاني مجتمعي، والفوضى الخلاقة ضربت الاثنين معا فهي فوضى مزدوجة وذات تأثير سلبي مشترك، فبعض وسائل السوشيال ميديا في العراق لم تكن في أغلب الأحيان عبارة عن وسائل للتواصل الاجتماعي كما هو معروف عنها عالميا، وإنّما كانت عبارة عن وسيلة للفوضى التواصلية التخريبية كما كانت وسائل للخراب الاجتماعي / الإعلامي بالمعنى الدقيق لها، وهنا بيت القصيد، فقد لعبتْ وسائل الإعلام الأصفر والجيوش الألكترونية المغرضة، أكثر من دور سلبي على الرأي العام في العراق وخاصة إبّان الأزمات، ومن آثار وسائل التضليل الاجتماعي السلبية على المشهد العراقي:
تشويش وإرباك الرأي العام سايكلوجيا وبثّ روح التشاؤم والقلق من المستقبل، والانهزامية من الحاضر، وإلهاء رجل الشارع عن أهم القضايا الرئيسة التي تخصّ البلد بسبب أن ما يرد في تلك المواقع يؤخذ في الكثير من الأحايين كمسلّمات، أو كحقائق ثابتة لا لبس فيها حتى لو كانت مجرد أكاذيب لا قيمة لها، وتؤخذ من دون تمحيص من المصادر الإعلامية أو الرسمية المعتبرة، فضلا عن زرع نزعة عدم الثقة بين ألوان الطيف المجتمعي وتشتيت عناصر النسيج المجتمعي العراقي التي ظلت متلاحمة عبر التاريخ، كما ساهمت في رسم صورة سلبية وقاتمة ومشوشة عن المشهد العراقي بشكل عام أمام الراي العام العالمي ـ
الفيسبوك هو المتهم الأكبر في ذلك بالترويج للأخبار المفبركة والمضللة وهو متاح للجميع وبسهولة، فإنّ حالة البلبلة والحرب النفسية المدمرة من خلال تبني الإشاعات وإعادة نشرها في مواقع مختلفة كانت من افرازات تلك المواقع التي تنشر من دون حسيب أو رقيب أو قانون أو رادع وقد نجحت في ذلك، كما أدت تلك الوسائل إلى تضليل الرأي العام العراقي وتغيير قناعات الكثير من الناس حول أهم المعطيات المعاشة وخاصة قضايا الساعة المصيرية التطور الهائل في التقنيات الإعلامية وبرمجيات الاتصالات، والسرعة في ظهور وتشكيل رأي عام على الإنترنت كان سلاحا ذا حدين، فالحقائق والأكاذيب أيضا قد تصل في دقائق إلى ملايين من مستخدميه حول العالم، إذ أصبحت الأولوية، وبصورة كبيرة وواضحة، للسبق والانتشار والتأثير السريع وخدمة أجندة خاصة على حساب المصداقية
والموضوعية.
لهذا سارعت الكثير من الدول إلى سنّ تشريعات قانونية لاحتواء تداعيات ظاهرة الأخبار المزيفة والمعلومات الكاذبة وتأثيرها على الأمن القومي أو السلم الاهلي وإبعاد شر تلك الأضاليل عن شعوبها .