كراس الدولة

آراء 2020/03/01
...

إبراهيم سبتي
 
تتداول أوساط المجتمع كافة، بعض المفردات مثل: الوطن، الدولة، الحكومة، البلاد، النظام، الشعب، الأمة، وهي ليست مجرد كلمات ومعان تتكرر في الحدث اليومي العراقي الراهن. وهي ما يتوهم بعضهم في إدراكها وفك معانيها. 
نحن، إذاً، إزاء  خلط في المفاهيم التي تحتاج الى تفصيل معرفي وفكري لتوصيل دلالة هذه القيم والمفاهيم إلى العقل الجمعي للمواطن ومنه إلى المجتمع. الكثير يخلط بين الدولة والحكومة والنظام وبين الوطن والأمة وسواها، فالأمر يتعلق بمخلفات الإعلام الموجّه القمعي الذي ظل يُلقن الجمهور بعض المفاهيم الخاطئة لأربعة عقود باعتبار أن الدولة هي الحكومة وهي النظام كما كان يضخ في إعلامه التعبوي الذي مارس كل أنواع القمع الفكري والعقائدي المقصود بسبب قلة وسائل الإعلام آنذاك وسيطرة النظام عليها سيطرة أفقدت فسحة الحرية التي يترقبها الناس ويتلهفون لسماعها، فصارت هذه المفاهيم وكأنها تعني قصدا واحدا لا سواه. هذه الفرية التي صُنعت بقوة الضخ المفرداتي والأيديولوجي أدى الى ترسيخها حتى وقتنا الراهن في أذهان الكثير. 
عندما استقالت الحكومة سمعت من أحد الاشخاص أنّ الدولة استقالت وستتغير. هذا الخلط الخطير مفاده أنّ الإيهام ما زال موجودا ويتطلب تعبئة كبرى لترسيخ مفهوم الدولة الكبرى التي تضم الجميع أرضا وشعبا وسماء، وأنها تعني التاريخ والحضارة والوجود والحدود. إنّها الأرض التي ضمت بين ترابها أعظم الحضارات وأعظم الاختراعات ويكفي أن حضاراتها ما زالت تتكلم وتمنح كل يوم شيئا مكتشفا في الأدب والشعر والسياسة. الدولة هي الوجود الأزلي الذي لا يتزحزح ولا يتبدل، فالشعب يحمل انتماء للدولة ويعيش تحت السماء المنداحة حد الأفق البعيد. أمّا الحكومة فهي التي تدير شؤون الدولة وتحكمها وفقا لوثيقة الدستور التي تحدد نظام الحياة بكل تفاصيلها. لقد عرفت منذ زمن بعيد حدود الدول وتاريخها وطرق الحياة المتواجدة فيها، فتخلدت وصارت اسما كما تخلدت بلاد الرافدين التي ضمت شريان الحياة المتمثلة بأنهارها الخالدة وصفاء السماء المفتوحة على مد الأبصار، فتحكي الرقم الطينية بأن الدولة الرافدينية سادت الأرض ونهل الجميع من ثراء تاريخها وعلمها وبقيت وما زالت تحكي قصة الإنسان الباحث عن الحرية والسعادة. والوطن هو المفهوم الوجداني الذي يبدأ منذ البذرة الأولى وهو موطن الأشياء بالتالي هو مرادف لمفهوم الدولة عاطفيا ووجدانيا ما يعني بأن لكل فرد وطن ولكل فرد دولة تمثله. فيحتفظ العقل البشري بالحب الفطري للوطن ويتغنى به وهو بالتالي الخريطة الكبيرة التي تسمى الدولة. إنّ التوعية والتثقيف ضروريان لتوضيح المفاهيم المتداخلة والمختلطة لدى الجمهور ولكي نفك الالتباس مطلوب إشاعة روح الوعي في كل الميادين بدءا من البيت والمدرسة والمجتمع الذي سيكون مسؤولا عن التوجيه الفكري والإنساني لبثّ روح المحبة للوطن والدولة والتاريخ الذي سجل عنوان الفخر. 
إنّ تداول بعض المفردات على ألسن أغلب الناس مثل النظام والحكومة وباعتبار النظام هو الدولة، هو كذلك تداخل في المفاهيم المشكّلة لمعاني هذه التكوينات ولا يعلمون بأن النظام هو شكل الحكم وليس شكل الدولة. والحكومة بمفهومها الدستوري هي مؤسسة السلطة التي تحكم المجتمع تطبيقا لوثيقة الدستور، وتكون منتخبة كل أربع سنوات كما في العراق. إنّ الوعي المجتمعي غاية ما يتوخاه العارف الحصيف حين يتبنى نشر المعرفة الميسرة إلى كل من يطلبها، وحبذا لو تكون كراس الدولة تُدرس في المدارس لكي نزرع وعي المفاهيم منذ الصغر، وبذا نكون قد نثرنا المعرفة في كل الاتجاهات كي نضخ الحب في وقت مبكر، وعندما تتغير الحكومة لا يقول بعضهم إنّ الدولة تغيرت وهذا ما نسعى لتصحيحه.