لم تشهد فترة ما بعد 2003 تشكيل حكومة تمثل إرادة الشعب لذلك تراجعت فرص التقدم خاصة في المجالات الاقتصادية والعمرانية، فالحكومات المتعاقبة لم تحقق المستوى المتقدم في تطبيق ستراتيجيات كبرى تقفز بالدولة إلى مصاف الدول المتطورة، فهل ثمة خلل في السياسات العامة الموضوعة من قبل الحكومات المتتالية التي أفرزتها فترة ما بعد 2003 ؟
نعم بالتأكيد ثمة إخفاقات واضحة في رسم السياسات العامة التي لم تحقق الإنجازات الكبرى، بينما نجد حكومة إقليم كردستان استطاعت أن توظف حصتها من الموازنة لبناء وإعمار الإقليم.
فلماذا أخفقت الحكومات الاتحادية في هذا المجال؟ هل هنالك أسباب تقف وراء ذلك التدهور؟
من ضمن الأسباب:
1ـ التراجع الإداري الواضح في مجال إدارة الوزارات والمديريات التابعة لها، إذ إنّ الإداريين بمستوى وزير ووكيل ومدير عام لا يملكون الخبرة الإدارية اللازمة، لذلك لمسنا تخلفا واضحا على الصعد كافة، منها سوء استعمال التخصيصات المالية الممنوحة للوزارات، فلقد هدرت الحكومات المتعاقبة مليارات الدولارات من دون خطط رصينة وهادفة، ممّا أضعف ثقة المواطنين بأداء الحكومات واستيائهم وتذمرهم الشديد.
2ـ تراجع فرص تطوير القطاعات الاقتصادية الانتاجية ممّا أدى الى زيادة الواردات وإغراق السوق المحلية بالسلع الاجنبية فأفضى إلى انتقال العملة الصعبة خارج البلد عوضا عن توظيفها في تطوير القطاعات الإنتاجية وزيادة الناتج
القومي.
3ـ الفشل الواضح في مجال جلب الاستثمارات الأجنبية لتطوير البنى التحتية بمختلف أنواعها.
4ـ الإخفاق الواضح في مجال توظيف الموارد الطبيعية والبشرية فلم تتمكن الحكومات المتعاقبة من استغلال هذه الموارد في تطوير وتنمية البلد.
ما لمسناه خلال السبعة عشر عاما أن الحكومات كانت ولا تزال تدير شؤونها من دون خبرات وخطط إدارية فاعلة وبرامج حديثة، كما أن الكثير من الإداريين هم بمثابة كتبة ليس لهم دور وظيفي إداري فاعل، بل إنّ عملهم انحصر في تضييع الوقت وهدره من دون إنتاج، ممّا أدى إلى زيادة الإنفاق التشغيلي، من دون أن يقابله الإنفاق الاستثماري، فمتى ما ارتفع مستوى الانفاق التشغيلي وتراجع مستوى الانفاق الاستثماري اختلت معادلة التنمية الاقتصادية. من هنا لا بدّ من تشكيل حكومة إدارية لتطويق الأزمات والنهوض بالبلد بعد سنين طوال من التخلف الإداري، فمن دون ذلك لن تختلف الحكومة القادمة عن الحكومات لتي سبقتها، لذلك فإن أي مكلف بتشكيل حكومة مؤقتة لا بدّ أن يسير على هذا المنهج القويم.
لكن للأسف لا تزال الكتل السياسية متمسكة بمنهج المحاصصة الذي يتضارب مع منهج الإدارة الرشيدة، من دون أن تدرك حجم الآثار السلبية التي خلفها هذا المنهج، فبدلا من تشكيل حكومة دولة مؤسسات ذات منهج إداري هادف، يتم التمسك بحكومة دولة كتل وأحزاب. الخلاصة لا بدّ من منح أيّ مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة الفرصة المناسبة لتشكيل حكومة كفاءات إدارية تنهض بالبلد لحين اجراء الانتخابات الفاصلة.