مِن تعهّده إلى اعتذاره

آراء 2020/03/03
...

نوزاد حسن 
 

   نتذكر كلّنا كلمة علاوي التي ألقاها بعد أن كلّفه رئيس الجمهورية، برهم صالح، بمهمة تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة عبد المهدي. كان أبرز ما في كلمته هو كلمة "أتعهد" التي أراد من خلالها أن يقدم رؤيته لما سينجزه بعد تمرير حكومته. تناول كتّاب ومحللون معنيون بالشأن السياسي كلمة التكليف، وقالوا عنها الكثير. لكن هل خطر ببال أحد أنّ علاوي سيعتذر بعد أن أخفق في الحصول على تأييد بعض الكتل السياسية له. في كلمة اعتذاره أشار إلى صعوبة مهمته، وكيف اصطدم بمنْ لا يفكر بقضايا الوطن. ولست أريد في هذا المقال أن أُلخّص ما جاء في كلمة اعتذار علاوي لأنني في الحقيقة أجد من الصعوبة أن أتفهم من يتحدث عن مكاسب سياسية في وقت عصيب كالوقت الذي نمر به جميعا.   أظن أننا نعيش دراما بالغة الخطورة ليس على الصعيد السياسي فحسب لكن على المستوى الصحي أيضا؛ ذلك أننا نواجه مرضا أصاب دولا إقليمية تحيط بنا. وعلى الرغم من أن الوضع الصحي في العراق أفضل من دول أخرى، إلّا أن قضية مواجهة مرض كورونا لا تقل أهمية من قضية تشكيل حكومة مستقلة تلبي مطالب المتظاهرين السلميين.
  إذاً، الوضع العام يتطلب قدرا كبيرا من الوعي. وهذا ما أشار إليه رئيس الجمهورية بعد اعتذار علاوي عن تشكيل الحكومة.
  قد ينزعج الكثيرون من هذا العجز، وهذا الصراع الذي جعل البرلمان لا يصل الى نصابه للتصويت.
  حين كان علاوي يلقي كلمته كنت أنظر إليه وأتذكر رفض الساحات له، ثم رفض التحالف الكردستاني وتحالف القوى له أيضا. لم يكن هذان التحالفان راضيين عن اختيار علاوي للوزراء الذين قدمهم للبرلمان. وقد استطاع هذان التحالفان مع دولة القانون دفع رئيس الوزراء المكلف إلى توجيه كلمة اعتذار كنت أتوقعها. تحدثت مرة عن حلّين لا ثالث لهما: فإمّا أن يأتي علاوي بوزراء ترشحهم كتلهم وهنا سيقع في مشكلة كبيرة بسبب ضغط الشارع، و إمّا يقوم باستخدام حريته في تقديم وزراء مستقلين لن يحظوا بمقبولية الكتل. كان الحل الثاني هو خيار علاوي. لكن هذا الخيار لم يصمد إزاء إصرار التحالفين على أن يكون اختيار الكابينة خاضعا للاستحقاق الانتخابي.
  ما يلفت انتباهنا أنّ القائمة التي أعلن عنها علاوي للتصويت عليها لم تغير من موقف المتظاهرين اتجاهه، كما أن الكتل السياسية في التحالفين السني والكردستاني واجها بقوة تمرير هذه الحكومة. وهنا سنكون أمام وضع جديد كليا إذ لا بدّ من اختيار مرشح آخر خلال 15 يوما يكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة. ولعل المكلف الجديد سيجد نفسه أمام المشكلة ذاتها، أي إنّ أيّ شخص يكلفه رئيس الجمهورية سيجد نفسه في مواجهة رفض الساحات، ورفض بعض الكتل له إن جاء بوزراء مستقلين. لنقل بكلمة واحدة إنّ الوضع السياسي معقد للغاية، وإنّ على جميع القوى أن تفكر جديا بخطورة الأوضاع، والضحايا الذين يسقطون سواء من المتظاهرين أو القوات الأمنية.
  لا أحد يتمنى استنساخ تجربة علاوي مرة ثانية لأن ما نحتاجه الآن يحتم على الجميع التضامن من أجل الوطن.