د. كريم شغيدل
هذا ما كان متوقعاً، وما نوهنا به في العديد من المواضع، وما اتفق عليه المراقبون، سنوات ونحن نردد بأن العيب ليس في الأشخاص وإنما بالنظام، ولا أقصد النظام الديمقراطي طبعاً، بل بديمقراطيتنا المشلولة بالمحاصصة، فالسيد علاوي الذي قدم اعتذاره مشفوعاً بأسباب واضحة وصريحة ليس بعيداً عن المنظومة السياسية، وينطبق عليه قوله تعالى: (وشهد شاهد من أهلها..) والآن لم يعد ثمة عذر، وقد أثبتت أدبيات التظاهر صحة شعاراتها، فالمتظاهرون لم يخرجوا ضد أشخاص أو أحزاب بعينها، وإنما ضد المنظومة التي تحكم مسار العملية السياسية، فبرغم الظروف والتحديات التي يواجهها البلد هناك من يفضل مصالحه الجهوية.
بغض النظر عمَّا إذا كان رئيس الوزراء المكلف مقبولاً جماهيرياً أم لا، أو أن حكومته كانت مقبولة أم لا، فإنّه تمنى وحاول وسعى لتشكيل حكومة مستقلة، لكنه لم يصمد ولم يتمكن من عبور نفق المحاصصة، فبعض الكتل لم تراعِ التحديات الصحية التي تحتاج إلى وقفة جادة، ولم تحتسب للتهديدات الأمنية، ولم تأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب، بل لم تعبأ بحرمة دماء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الإصلاح، ويفترض أنّها حكومة مؤقتة تنفذ بعض المهام وتنتهي صلاحيتها، لكن على ما يبدو كانوا يخططون لغير ذلك.
الرجل لم يستطع أن يوازن بين مطالب الناس والمصالح الضيقة للكتل السياسية، ولن يستطيع غيره، فالمناصب مغانم وليست واجبات وطنية لخدمة الدولة والمجتمع، وإقطاعيات جهوية لا يمكن المساس بها وليست مؤسسات دولة ينبغي إدارتها مهنياً وأخلاقياً، فبعض الكتل تتخذ من المناصب مصادر تمويل وقوة ضغط لتنفيذ أجندات خارجية بسبب غياب المشروع الوطني المستقل، وغياب الدافع الحقيقي للنهوض بالبلد الذي وصل إلى أدنى المستويات على وفق مختلف المعايير، إدارياً وتنموياً وصحياً واقتصادياً وحضارياً
وإنسانياً.
ليس أمام السيد رئيس الجمهورية إلّا أن يختار شخصية توافقية تخضع للنظام القائم لضمان التصويت، لأنّه إذا فكر في تطبيق المادة (64) التي تنص على حل مجلس النواب سيحتاج إلى أحد أمرين: إمّا الموافقة المطلقة لمجلس النواب وهذا مستحيل، أو طلب من رئيس الوزراء، وهذا غير متوفر، والأسلم لجميع الأطراف أن يعلن السيد رئيس الجمهورية ويشترط بأن عمر الحكومة المؤقتة لا يتجاوز ستة أشهر، وأنّها لا تمتلك أيّة صلاحيات مالية عدا ما تقتضيه ضرورات تسيير الأمور العامة، لا مشاريع ولا صفقات ولا قرارات استثنائية، وأن يكون عددها محدودا بما لا يزيد على(15 وزيراً) وألّا يتمتعوا بجميع الامتيازات التي يقتضيها المنصب، وأن تنحصر مهامها في تصريف أمور البلد والإعداد لانتخابات مبكرة خلال ستة أشهر، وتقديم المتهمين بقتل المتظاهرين للقضاء، والمضي بالكشف عن ملفات الفساد الكبيرة، ومنح القوات الأمنية بكل صنوفها صلاحيات واسعة لمنع مظاهر التسلح، بعد اتخاذ قرار حازم يصادق عليه البرلمان بحل الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، وهذه ربما أضغاث
أحلام.