وفـــاة حسني مبــارك تــذكــر بسقــوطـــــه

بانوراما 2020/03/06
...

إتش أي هيلاير
ترجمة: خالد قاسم
انتهت رئاسة رجل مصر القوي مطلع العام 2011، لكن العوامل المسببة لموته سياسيا ما زالت مستمرة. كان الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي توفي في عام 1998 عن عمر 87 سنة، أحد أبرز رجال الدين المعاصرين للرئيس المصري السابق حسني مبارك، واشتهر هذا الشيخ خلال الفترة التي سبقت مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هناك مقطع فيديو له ما زال مستمرا بالانتشار بعد أكثر من 20 سنة على وفاته. 
وهو يشتمل على سطر ذكره الشيخ الشعراوي للرئيس مبارك خلال فترة ذروة شعبيته، وهو سطر يذكر عادة مثالا على عالم يذكر الحقيقة للسلطة، فأعلن الشعراوي آنذاك لمبارك: “اذا كنت قدرنا فليوفقك الله، واذا كنا قدرك فليعنك الله على تحمله.”توفي مبارك في القاهرة يوم 25 شباط الماضي عن عمر ناهز 92 سنة، ورغم تحذير الشعراوي فمبارك لم يتحمل مصيره مع الشعب المصري، وسوف يبقى ارثه دائما مرتبطا بثورتهم ضده. بنى مبارك اسمه كرجل عسكري، وتدرب في البداية لدى أكاديمية القوة الجوية، وهي مؤسسة قادها بعد ذلك أواسط العام 1972، ومن ثم تولى منصب نائب الرئيس في عهد الئيس أنور السادات، وارتقى رئاسة الدولة ليس بسبب المناورة السياسية البارعة وإنما لأن الرئيس أغتيل.
وقع ذلك الاغتيال أمام ناظري مبارك نفسه، وقتل السادات على أيدي اسلاميين بينما كان نائبه يجلس بجواره. وحددت تلك الحادثة نظرة مبارك المستقبلية التي تؤكد على الأمن وتفسير ضيق لما يعنيه ذلك. وفي دولة هددتها الحركات الاسلامية المتطرفة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كان تركيز مبارك للسلطة بدون معارضة تذكر وأسس نظاما على ذلك الأساس. يشير مختصون مثل طارق مسعود وحازم قنديل الى أن الأجهزة الأمنية المصرية تنامت كثيرا خلال عهد مبارك، أكبر بكثير مما يستلزمه النمو السكاني للبلاد.
 
نظرة مصلحية
لكن الحكم الاستبدادي وفرض الدولة الأمنية العميقة كانا اعتبارا ثانويا لشركاء مبارك الدوليين، وخصوصا في الغرب. ونظر قليلون خارج مصر الى التداعيات قصيرة ومتوسطة الأجل لنظام أسس على قمع المظالم الاجتماعية والسياسية. ولم يدرك كثيرون خارج البلاد أن نظامها الاقتصادي أطلق العنان لشريحة صغيرة من السكان في النخبة الحاكمة والمدعوم من الفساد، أما الغالبية العظمى من المصريين فعاشت الفقر، مما سيؤدي حتما (لاحقا) الى رد فعل عنيف من نوع ما.
الأمر الأكثر أهمية للعواصم الغربية كان متمثلا برغبة مبارك بدعم اتفاق السلام مع اسرائيل وابتعاد القاهرة عن موسكو وتحالفها مع الغرب. وعندما وقعت ثورة  يناير2011 رفض عدة زعماء من الدول الغربية ما ظهر أمام أعينهم، وكأن رأيهم أن حكم مبارك لا يمكن الدفاع عنه منذ سنوات وأن تلك الانتفاضة هي صمام هروب لحماية الدولة المصرية من الدمار الكامل والمطلق.
عندما دخلت مصر القرن 21 كان النظام الذي بناه مبارك تحت ضغط كبير، فلم تعد الحركات المتطرفة تشكل تهديدا كما كانت قبل 30 سنة، وأراد المواطنون حصة أعلى من ثروات البلاد وحرية أكبر. لكن نظام مبارك لم يرد أيا منهما بل اجراءات أمنية مشددة مع نظام اقتصادي خدم الطبقات العليا فقط، مما يعني أن انهيار النظام كان مسألة وقت.
طبق نظام مبارك نظام طوارئ وقيد بشدة المجتمع المدني المصري باسم الأمن، وعوقبت جميع الأطياف السياسية من اسلاميين ويساريين وغيرهم أو أجبروا على السكوت. واعتمد النظام على الاستبداد والفساد والمحسوبية واستغلال مؤسسات دولة القرن العشرين لقمع المعارضة.
كانت ثورة 2011 عفوية، وحدثت نتيجة سنوات طويلة من الاهمال وفشل الدولة المصرية بمنح احساس بالنزاهة الى أبناء الشعب. واذا كان هناك رجل مسؤول عن ذلك فهو مبارك، اذ سمح ونظامه بوضع لا يمكن الدفاع عنه أن يتفاقم، وأخفق هو ونظامه بمعالجة فساد البلاد والمحسوبية وعدم المساواة عندما سنحت لهم الفرصة للقيام بذلك، لعدة مرات طيلة 30 سنة، واختار هو ونظامه الرد على المحتجين بقوة وحشية خلال 18 يوما من ثورة 2011، وبالتالي هو من تسبب بسقوطه وهذا ارثه بالتأكيد.
لم يكن سقوط مبارك سقوطا للنظام، وفي هذا الصدد نجحت احتجاجات 2011 كانتفاضة ولكنها ليست ثورة، فالثورة لم تكتمل وبالتالي فشلت. وبعد مرور تسع سنوات على تلك الأحداث ينظر الشباب المصري للوراء ولا يرون مبارك بطلا لجيلهم، بل أبطال جيلهم هم من ثاروا ضده، وحلمهم ببناء مصر جديدة لم يتحقق بعد.