تحديات الحاضر والمستقبل تواجه سلطان عمان الجديد

بانوراما 2020/03/06
...

سيمون كير
ترجمة: بهاء سلمان
ساهم قابوس بن سعيد، أطول حاكم عربي لغاية وفاته بداية شهر كانون الثاني الماضي، بتطوير اقتصاد عمان على مدى خمسة عقود بالوقت نفسه الذي لعب فيه دورا أساسيا بالعديد من القضايا الأكثر صعوبة واثارة للجدل في الشرق الأوسط. وستكون مهمة خلفه، السلطان هيثم بن طارق، هي الحفاظ على ذلك الإرث بالتزامن مع تصاعد التوترات داخل المنطقة وسط خضم الصراع الايراني الأميركي، علاوة على اقتصاد البلاد المعتمد على النفط، والواقع تحت خطر الديون المتضخّمة ونسبة البطالة المرتفعة. 
الحفاظ على التقاليد
تقول جين كينينمونت، المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط: “يواجه السلطان الجديد تحديات على الأصعد كافة، فالعقد الاجتماعي بحاجة الى أن يعاد كتابته لاجل التحول الى عالم مرحلة ما بعد النفط، وعمان تواجه منطقة مبتلاة بصراع حيث صارت فيه حليفتها التقليدية، الولايات المتحدة، أحد أكثر اللاعبين غير الممكن التنبؤ بسلوكياتهم.” وتضيف كينينمونت قائلة: “لكن التوقيت ليس سيئا جدا لظهور شخصية جديدة مع تعهد ببقاء التقليد العماني بمواصلة الحوار 
والدبلوماسية.” 
لقد ورث السلطان هيثم، 65 عاما، دور صانع سلام جسده ابن عمه قابوس طوال فترة حكمه التي امتدت لخمسين سنة، إذ سعى السلطان الراحل، الذي خلع والده بانقلاب سلمي سنة 1970، لادامة علاقات طيّبة مع جيرانه الخليجيين والقوى الغربية وايران، فيما ذهب بعيدا، أكثر من جيرانه، في الشروع بالحوار مع اسرائيل، وعمل لسنين طويلة على تسهيل طريق السلام بين اسرائيل وفلسطين، ورعى مفاوضات أدت الى توقيع الاتفاق النووي الايراني 
سنة 2014.
ومع ذلك، عمل هذا الحياد على خلق توتراته الخاصة به، مثل ما حصل عندما واجهت عمان التهميش لرفضها القاطع دعوة السعودية والامارات للانضمام الى خطتهما بمحاصرة قطر تحت مزاعم دعم الأخيرة للارهاب. ووضعت حالة تجدد العداء بين واشنطن وطهران على أثر اغتيال القائد العسكري الايراني قاسم سليماني بغارة جوية أميركية السلطان هيثم اما تحد فوري، فمع دعم الرياض وأبو ظبي لجهود الرئيس الأميركي ترامب في مسعاه لعزل واضعاف ايران عبر عقوبات اقتصادية خانقة، اتهمت مسقط بكونها مقرّبة جدا من طهران.
 
منطقة ملتهبة
حتى قبل مقتل سليماني، كان المحور السعودي الاماراتي يحث على مدى أشهر لتخفيض التصعيد والتحذير من وقوع المنطقة بدائرة اللهب؛ أما وراء الكواليس، كان كلا الطرفين يسعيان الى تهدئة التوترات الأميركية الايرانية. يقول بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة: “أريد رؤية ارث قابوس يلهم الآخرين ويؤثر فيهم للتفكير بشكل مختلف حول ماهية معنى القيادة في منطقة حيث كل من اللاعبين المحليين والدوليين غالبا ما يسيئون فهم القوة العسكرية والعنف لأجل امتلاك القرار القوي.” 
قبل سنوات من وصول هيثم الى عرش السلطنة حصل على تفويض باعادة صياغة اقتصاد عمان من خلال ستراتيجية وطنية لتنمية بعيدة الأمد؛ ويأمل العمانيون أن يتمكن سلطانهم من استحضار روح العزيمة لتنفيذ ستراتيجية “رؤية عمان 2040”، الساعية الى تحسين حظوظ الدولة الخليجية الأفقر. وأدى انهيار أسعار النفط سنة 2014 الى تراجع العوائد المالية للحكومة العمانية وارتفاع عجز الموازنة؛ لتضطر الحكومة الى مزيد من الاقتراض لتغطية العجز، محفّزة صندوق النقد الدولي على اتخاذ اجراءات تقشفية واصلاحية صارمة لتحقيق التوازن بين الانفاق والواردات. ووضعت وكالات التصنيف الائتماني الاقتصادي عُمان ضمن ترتيب منخفض للغاية.
يقول أحد المحللين الاقتصاديين: “بامكان مسقط الاستمرار بالاقتراض، لكن بمجرد أن ترفض الأسواق الدولية هذه الحالة، ستذهب جميع الأمور بشكل سريع نحو الجانب الخاطئ.” ومع ممانعتها الاعتماد على عمليات انقاذ مالية من الجوار الخليجي، ربما ينبغي على السلطنة طلب المساعدة المالية الخارجية.
 
بطالة مرتفعة
وخلقت حالة نقص الوظائف، خصوصا لدى الشباب، استياء واسع النطاق؛ وقد حث السلطان هيثم الشباب على البحث عن أعمال ضمن القطاع الخاص بدلا من انتظار التوظيف الحكومي، بيد أن فرص العمل محدودة في بلد وصلت نسبة شبابه العاطلين الى 49 بالمئة سنة 2018، بحسب بيانات منظمة العمل الدولية.
وسيكون من المتوقع من السلطان أن يأتي بطاقة متجددة الى عملية تنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن النفط، التي تمثل ثلاثة أرباع واردات البلاد المالية. يقول مارك فاليري، استاذ الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في جامعة اكستير: “يتداول العمانيون فيما بينهم بشكل غير علني أن السلطان الراحل كان يمثل مشكلة أكثر من كونه حلا، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار عزلته وعدم قدرته على اتخاذ القرارات.”
ومن التحديات البارزة الأخرى للسلطان هيثم ستبرز مسألة ادامة النجاح الذي حققه قابوس بتسوية ومعالجة الفروقات الجغرافية والطائفية طويلة الأمد لعمان، فقد مثل ميناء ولاية صحار الشمالية بؤرة الانتفاضة المرافقة لمرحلة الربيع العربي سنة 2011 التي اجتاحت السلطنة، حيث نزل الآلاف الى الشوارع احتجاجا على مستويات المعيشة والبطالة، وأدى مقتل اثنين من المتظاهرين الى حدوث صدمة في البلاد، الأمر الذي دفع السلطان لعزل بعض الوزراء واستحداث وظائف جديدة في القطاع العام. ولأجل ايقاف المزيد من المعارضة، شرع قابوس أيضا بانفاق ضخم جدا لتشييد بنية تحتية تركت لخلفه ارثا ماليا مليئا بالمشكلات والأعباء.