أشد عاطفة لدى البشر وكثير من الكائنات الحيّة هي الخوف من الموت، ويسعى الإنسان غريزياً لمواجهة الموت ومحاولة تأخيره،بكل وسيلة ممكنة، وفي الحروب والأزمات الأمنية والصحية تتصاعد هذه الغريزة الطبيعية، التي تعد من أسرار استمرار الحياة، ولكن الإنسان الذكي لم يعثر حتى اليوم على عقار يوقف تقدم العمر نحو النهاية المحتومة.
حب البقاء والخوف من الموت أصبح بضاعة تباع وتشترى على شكل أغذية وأدوية وخدمات متعددة،مرتفعة الثمن غالباً،وربما تصبح نادرة نتيجة جشع المتاجرين بالخوف،وقد ورد في تقرير صحفي نشر قبل أيام،في ظل اشتداد أزمة فايروس كورونا، أن هناك شركة أميركية أعلنت عن تزايد مبيعاتها من(ملاجئ القيامة) التي تهافت على شرائها أو تأجيرها الأثرياء لحفظ حياتهم وأسرهم،قبل فوات الأوان،من الهجوم غير المتوقع الذي شنته فيروسات لا تراها العين المجردة لكن ضحاياها في تزايد حول العالم،الذي بات يعيش في رعب غير مسبوق! بناء ملاجئ الخوف التي سميت بـ(ملاجئ القيامة) خطأ أو مبالغة لأن القيامة لا ملتجأ منها حال وقوعها،بدأ منذ أيام الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وهناك أشخاص لايزالون يعتقدون أن نهاية العالم تقترب، فيسارعون إلى(التحصن) في مبان تحت الأرض، وشراء مواد تساعدهم على البقاء على قيد الحياة لفترات زمنية طويلة. مصادر الخوف الإنساني متنوعة ومتغيرة،مثل الحرب النووية أو الكيمياوية أو البايولوجية أو الظواهر الطبيعية كالزلازل والأعاصير، أو التهديدات الفضائية،وكل من هذه المخاطر يحتمل حصولها عمداً أو خطأً أو صدفة أو قدراً،فلا عاصم من الموت، ولكنها مسألة وقت لا أكثر،فكلنا ميتون،
شركة "فيفوس" الأميركية، تقوم منذ عقود،ببناء الملاجئ تحت الأرض لتحمّل أسوأ الكوارث الطبيعية أو تلك التي قد تكون من صنع الإنسان،ولا شك أن نظام الملاجئ المحصنة ليس ظاهرة جديدة لكنها تزايدت خلال الحربين العالميتين وما بعدهما،وهناك شركات كبرى متخصصة في تشييدها،وكان العراق،خلال ثمانينيات القرن الماضي تم التعاقد مع شركة يوغسلافية لبناء شبكة ملاجئ عامة في بغداد،كما فرضت السلطات حينذاك على أصحاب المباني العامة تشييد ملاجئ مجهزة تحتها، وشجعت المواطنين على بناء ملاجئ أسرية تحت بيوتهم ومنحتهم قروضاً وتسهيلات،وذلك كله في إطار ثقافة الحرب وصناعة الخوف ومواجهة كوارث المستقبل، التي تصنعها رعونة الحاكم الأوحد.
ولكن قد يكون الخوف و الفرار من الموت هو الموت نفسه، كما حصل في مذبحة ملجأ العامرية المدني في 13 شباط عام 1991 عندما قصفته الطائرات الأميركية ، وقتلت نحو أربعمائة شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، كانوا يلوذون من الحرب المجنونة في باطن الأرض، لكن الصواريخ الخارقة أبادتهم ودفنتهم بلا رحمة،وقيدت الجريمة ضد معلوم بلا عقاب !
في بلد مثل العراق،عجزت حكوماته المتعاقبة بعد العام 2003 عن توفير منازل للفقراء وأجبرتهم على استيطان الأحياء العشوائية من دون خدمات،وتقاعست عن توفير المدارس والمستشفيات والطرقات،لا حديث عن الملاجئ اليوم،ولا غداً،فهذه من المنسيات العراقيون لا يبنون اليوم الملاجئ ، ولا يهابون الموت، ربما لكثرة صدماتهم ومآسيهم السابقة،وذلك رغم التحذيرات الصحية،وهذه ليست شجاعة فالحذر أصبح مطلوباً وواجباً، في حدود الإمكانيات المعقولة، ومن بينها الوقاية والنظافة العامة،ولعلها من المفارقات أن الحكومة تمنح الناس عطلة للاختباء في بيوتهم من الوباء، فتجدهم يصرون على الظهور في مهرجانات، والتزاحم في الطرقات.