محمد صادق جراد
بعد فشل عدد من النظم الاقتصادية في العالم، تتوجه الدول، اليوم، صوب دعم القطاع الخاص وتفعيل الخصخصة، من خلال تهيئة البيئة المناسبة لنجاحها، وتشريع القوانين اللازمة وتوفير التسهيلات كافة من أجل إنجاحها. ولقد أسهمت الكثير من الأسباب والأزمات الاقتصادية العالمية في ظهور أفكار وآراء ومتغيرات اقتصادية شكّلت تياراً اقتصادياً وسياسياً جديداً يرى أصحابه أنّ هناك ضرورة كبيرة لتحويل القطاع العام الى قطاع خاص. ومن هنا ظهرت فكرة الخصخصة نتيجة لأحداث كثيرة، تقف في مقدمتها أزمة الركود الاقتصادي الذي تعرض لها العالم ومشكلات اقتصادية أخرى، فضلا عن فشل السياسة الاقتصادية لمعظم الأنظمة في البلدان النامية التي نتجت عنها أزمات حادّة كأزمة المديونية، و أحداث أخرى كانهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي، كل هذه العوامل شكّلت حافزاً ودافعاً لنشوء الأفكار والمقترحات التي أفرزت تياراً اسمه الخصخصة، الذي اقترح وضع حد لهيمنة الدولة وتدخلها في النشاطات الاقتصادية إذ يرى هذا التيار الجديد ضرورة تحويل القطاع العام إلى قطاع خاص. ومن خلال ما تقدم يمكننا أن نعرّف الخصخصة بأنّها عملية نقل ملكية، أو إدارة المؤسسة العامة، إلى القطاع الخاص، سواء اتّخذ ذلك شكل البيع المباشر، أو التمليك، أو المبادلة بالديون، أو من خلال عقود الإدارة أو التأجير.
إلّا أنّ هذا لا يلغي حقيقة مهمة، وهي أنّ للخصخصة سلبياتها، كما أنّ لها إيجابيات. وتتلخص سلبياتها بأنّ القطاع الخاص والاعتماد عليه يؤدي إلى سيطرة أجنبية على الاقتصاد الوطني من خلال الاستثمارات الخارجية للدول الصناعية الكبيرة التي ستشغل رؤوس أموالها في السوق المحلية وإمكانية التحكم فيها، فضلا عن أنّ تخلي الدولة عن القطاع العام يؤدي إلى زيادة الأسعار، ما يضر بمصالح المستهلك المحلي لا سيّما أصحاب الدخل المحدود. أمّا الايجابيات التي تعمل الدول على تحقيقها، فهي التخفيف من كاهل الحكومة، والإسراع في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واختصار الزمن وإعادة البنية التحتية، وتقديم أعلى مستوى من الخدمات من خلال خلق أجواء المنافسة بين الإطراف المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى تحسن الأداء والخدمات، والتشجيع على عودة رؤوس الأموال المهاجرة، وجذب الأموال الأجنبية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والقضاء على البيروقراطية الحكومية والفساد المالي والإداري. ومن خلال دراسة السلبيات والايجابيات يمكننا أن نختار استراتيجية وطبيعة الخصخصة التي تتناسب مع الاقتصاد العراقي في ظل تنوع التجارب العالمية في مجال الخصخصة. في الختام نقول بأنّ على العراق أن يقوم بالإصلاحات الاقتصادية المناسبة للاندماج مع المجتمع الدولي من أجل تصحيح المسارات الاقتصادية الخاطئة من خلال تطبيق الخصخصة كخطوة أولى على طريق الإصلاح الاقتصادي، وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بما يتلاءم مع الوضع العراقي من أجل أن يكون برنامج الخصخصة ذا جدوى اقتصادية وتشريع القوانين المناسبة وتوفير جميع التسهيلات الكمركية وتسهيل الاستحصال على الموافقات الأصولية وتجاوز البيروقراطية القاتلة لتهيئة الأرضية الصالحة لنجاح القطاع الخاص في العراق .