كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن أهمية الفلسفة ودورها التنويري، ونجاعتها في القضاء على كل أشكال التطرف والفكر المتزمت، على وصف أن الفلسفة تعبير عقلي ومنطقي، وحبلى بالقيم الإنسانية التي تهدف إلى تحقيق نوع من التناغم بين البشر. فكيف عملت الفلسفة على مواجهة الإرهاب؟ وما هي القيم الإنسانية السامية التي كانت الفلسفة تدافع عنها ولا تزال؟ وكيف يمكن للفلسفة اليوم أن تصبح أداة لتحرير الواقع ما ينتج من خطابات تدعو إلى الكراهية والعنف والتطرف ؟ وهل يمكن للفلسفة اليوم أن تكون أداة فاعلة للمساهمة في علاج ظاهرة الإرهاب الذي ابتلى بها العالم العربي ؟ وكيف يمكن حماية الفلسفة نفسها من الإقصاء والتهميش في العالم العربي ؟ وهل تنزيل الفلسفة إلى الناس وتوسيع نطاق تأثيرها والعمل على استقطاب الرأي العامّ، كفيل بحمايتها؟
خصصت مجلة (ذوات) الفكرية الصادرة عن مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” ، ملف عددها الأخير (61)، لموضوع (أي دور للفلسفة أمام زحف الإرهاب؟. كيف يمكن التفكير فلسفيًّا في سؤال التطرف؟ وما موقف الفلسفة من التطرف الديني والسياسي؟ وكيف تفكّر فيهما وتَفْهَمُهما؟ الملف من اعداد الباحث إسماعيل الموساوي، وقدم له بمقال يحمل عنوان (الفلسفة وسؤال الإرهاب أو الإرهاب مُفَلْسَفاً)، وأسهمت فيه مجموعة من الباحثين العرب، وهم : الباحثة يسرى وجيه السعيد، بمقال بعنوان (دور الفلسفة العقلانية المعاصرة في مواجهة الإرهاب)، تبحث السعيد في كيفية فهم الإرهاب فلسفيا ومقاومته بشكل عقلاني، من خلال تنقيبها في الفلسفتين السياسية والأخلاقية. ويقدم الباحث المغربي حمادي أنوار بمقال(الفلسفة وسؤال الديني والسياسي) كما أسهم الباحث زهير الخويلدي، بمقال بعنوان(دور الفلسفة في الحد من اللاتسامح الديني) ثم الباحث غيضان علي السيد بمقال بعنوان (الفلسفة وقيمة التسامح )أو (في ضرورة الانتقال من المطلق إلى
النسبي).
أما حوار الملف، فكان مع الباحث علي عبود المحمداوي، وهو أحد أبرز الباحثين الذين خصصوا حيزا مهما من أبحاثهم الفلسفية والفكرية لمقاربة (مشكلة الإرهاب) فلسفيا دراسة وتحليلا، من خلال عمله البارز في هذا السياق (الفلسفة والإرهاب: أو في سلم السؤال وعنف الجواب (سرد في الجريمة المنظمة ضد العقل) ويرى الباحث في حواره ( أن الفلسفة هي الكفيلة بتفكك البؤر التكفيرية، والتصورات الأصولية العنفية، وتخليص المجتمعات العربية من هذه المشكلات ذات الطابع التطرفي التي تعاني منها اليوم، من خلال حضورها الناقد، وأسئلتها المزمنة في تحليل مآلات الأفكار وفحصها فلسفيا بغية تجاوزها، وتخليص المجتمع من حضورها العنيف). ويؤكد (أنه لا يمكن اختزال هذه الظاهرة في كل ما هو سياسي، بل تدخل فيها تسويغات دينية أو اجتماعية، وربما حتى التنشئة الثقافية للأفراد، وفي بعض الأحيان الغايات الاقتصادية) ويرى ان الإرهاب (ينبجس أو يتفجر، حينما تكون الصورة الواحدية سياسيا أو دينيا كما في صهر العالم اليوم كله في بوتقة أميركية، تدعي امتلاك القوة والحق لوحدها، فذلك يستدعي ظهور مقاومة).
ويضيف في حواره والذي أجراه معه إسماعيل الموساوي، (أن الفلسفة وحدها لا يمكن أن تحارب الإرهاب أو تقضي عليه، وأن الحد من غلوائه مناط بعملية تعقيدية تركيبية تكاملية بين المعارف والعلوم والسلطات النابذة له، معتبرا أن الفلسفة بحاجة إلى الانضواء داخل منظومة مقاومة للحمق الإرهابي، تتأسس أركانها على التعليم كمنهج ومحتوى، والسياسية السلمية شكلا عبر الديمقراطية، ومضمونا عبر التعايش السلمي، وإلى اقتصاد يحد من التمركز الرأسمالي الكبير الذي خلق مهمشين ومنبوذين ومحتاجين، أصبحوا مادة طيعة لتلقي الخطاب الإرهابي)
اضافة إلى الملف، يتضمن العدد أبوابا أخرى، منها باب (رأي ذوات)، ويضم ثلاثة مقالات (العنف.. أين ومتى يبدأ ؟ ، وهل سينتهي ؟ للمرشدة النفسية روضة عبد الخالق، و(المجتمع الافتراضي وانهيار حاجز الواقع) للصحفي أحمد صوان، و(الصورة – الثرثرة، وخيانة المعنى) للباحث معتز سلام ، ويقدم باب (حوار ذوات) لقاء مع الكاتب والمؤرخ التونسي لطفي عيسى، المتخصص في تاريخ التصوف وتاريخ الذهنيات المقارن بالمجال المغاربي، بعد صدور عمله (أخبار التونسيين: مراجعات في سرديات الأصول) وهو الكتاب الذي توج به مسارا طويلا بدأه بفهم التاريخ الثقافي لتونس من موقع الزوايا ومناقب الأولياء، وفي باب (سؤال ذوات) يستقرئ الإعلامي وائل سعيد، آراء مجموعة من الباحثين والكتاب العرب حول سؤال (الطريق إلى الفلسفة… هل يكون حلاً لمواجهة الإرهاب والتطرف؟) ويقدم الباحث عبد الرحيم رجراحي، قراءة في كتاب (فن العيش الحكيم) لأرثور شوبنهاور، وذلك في باب كتب، والذي يتضمن أيضا تقديما لبعض الإصدارات الجديدة لمؤسسة (مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث )، إضافة إلى لغة الأرقام، التي تقدم أحدث تقرير صادر عن منصة هوتسويت الكندية بخصوص العالم الرقمي لعام 2019، والذي يكشف عن أرقام مثيرة للاهتمام، من أبرزها أن استهلاك الأنترنت لدى العرب يفوق نظيره لدى
الغرب.