تعود بي أغلب الأحاديث السياسية التي أسمعها من مسؤولين في الدولة إلى البحث عن معنى هويتي. لا أعرف لماذا يريد هذا السياسي أو ذاك أن أتمسك بهوية محدودة كما يتمسك الغريق بغصن شجرة وهو يواجه أمواج محيط هادر. من المؤسف أن أتطرق في هذه اللحظة إلى مثل هذا الحديث لكنني أحاول أن أكون واقعيا وأقدم هويتي كعراقي قبل أيّة هوية أخرى.

  أحاديث السياسة التي يتحدث بها مسؤولون غير قليلين تحاول أن تشعرنا بأنّ أهميتنا كبشر تأتي من كوننا ننتمي إلى مسمى دينيّ أو عشائري أو حزبي، فما دمت ولدت من أبويين كرديين فعليَّ أن أكون كذلك على طول الخط، وفي مختلف الظروف. ومن الممكن قول هذا على الشخص الذي ينتمي لطائفة معينة أو عشيرة من العشائر أو حزب من الأحزاب.

  أنا في واقع الحال مهموم جدا حين أسمع نبرة حديث مليئة بالدعوة إلى أن نتمسك بشعارات الانتماء المحدود من دون الانتماء الروحي لبلد بكل طوائفه وأديانه وشرائحه.

  لكن دعوني أدخل إلى لبّ الموضوع كما يقال، وأذكر سبب كل ما قلته قبل قليل. لقد استوقفني في الحقيقة ما قاله أحد الوزراء من أن رئيس الوزراء القادم لا بدّ أن يحصل على سند من البرلمان. لم يكن هذا التصريح صادما لي ذلك لأنّ السياسة بدأت بعد 2003 على تعددية الأحزاب ونظام انتخابي معين. ومع الوقت شاع بيننا، نحن المواطنين البسطاء، مصطلح شهير هو المحاصصة السياسية، أي أنّ المناصب توزع على أساس الاستحقاق الانتخابي. إذاً، لم يكن كلام الوزير إلّا وجهة نظر لسياسة قائمة أدت إلى مشكلات كثيرة. لذا ولدت دعوات للخلاص من هذا المنهج الذي يقوم بتقسيم المناصب بين السياسيين. وما أراد الوزير قوله في تصريحه إنّ أيّ رئيس للوزراء يأتي بلا سند من كتلة برلمانية لن يحالفه الحظ في النجاح لتمرير كابينته الحكومية.

  أنا فهمت أنّ تجربة علاوي صارت دليلا واقعيا على أن أيّة محاولة للمجيء بحكومة مستقلة ستكون مهمة مستحيلة كما لو أنّ رئيس الوزراء سيسبح ضد تيار المحاصصة القوي جدا والذي لا طاقة له بمواجهته.

  ماذا يعني كل ما قلت؟ يعني أنّ هناك إرادة سياسية تريد أن تمضي العملية السياسية كما كانت. لكن إرادة الجماهير والتظاهرات المستمرة، وسقوط شهداء من بين صفوف المتظاهرين والقوات الأمنية جعلت القوى السياسية تفكر في إيجاد حلول ما زالت في طور النقاشات بعد اعتذار علاوي.

  أظن أنّ الوضع السياسي ليس على ما يرام، فهناك ضغوط كبيرة تعصف بنا، ضغط سياسي وجماهيري وصحي ومالي تمثل بهبوط أسعار النفط. ومع ذلك لم يحصل أي تقريب لوجهات في ما يتعلق برئيس وزراء غير جدلي.

  لا أحد يتمنى أن تبقى المحاصصة منهجا سياسيا متعارفا عليه. نتمنى جميعا ولادة حس وطني جديد نصرخ فيه جميعا أنّنا ننتمي لهذه الأرض، فهل أتحدث أنا الآن برومانسية نهرو جارنا الهندي الذي علمني أنّ تجربة حب الوطن ليست عملا سياسيا بحتا.