زهير الجبوري
حديث المرحلة الراهنة في العالم أجمعه، هو حديث البقاء والفناء، فالبقاء هو كيفيَّة تطبيق نظام يسير عليه البشر وفق نظام معمول عليه، نظام حياتي خاضع لقوانين متّفق عليها في جميع الجوانب العلمية والإنسانية، أمّا الفناء فهو أنّك لا تستطيع إيقاف (الآفة) التي تنهي وجود الإنسان على سطح الأرض، إنّها أشبه بعلبة (أكشن)، بمعنى أنك تقتنع بها من خلال لعبة سينمائية، أو حتى روائية، وتسمى هذه (بالفن الافتراضي).
ولكن وجود كائن (فيروس) غير مرئي يجعلنا نحن جنس البشر في قلق دائم، هذا يخلق لنا الدهشة الكبيرة في تصديقه كواقع حال أو عدم تصديقه (بشكل شخصي) بوصفه نتاج عقول متاجرة بمستقبل البشر في هذا العالم المضطرب، بالإضافة إلى ذلك، وقفت وسائل الإعلام (الفضائيات تحديدا) على درجة كبيرة من إرباك الناس من خلال التقارير العالمية المستمرة وازدياد عدد الوفيات والاصابات، وهنا بالتحديد لا أريد الخوض في جوانب هذا المرض بقدر ما أريد كشف شواهد الركود لهذا العالم المفعم بالحياة، إذ تشير المؤسسة الإعلامية الألمانية (أخبار الآن) إلى أنَّ عدد سكان الناس في الكرة الأرضية مؤخرا هو (7.75 مليار نسمة)، وكلّهم تحت هاجس واحد هو الخوف من النهاية، وبالنتيجة لم تكن الأمكنة المستثمرة في مجالات الفن والرياضة ووسائل الترفيه الأخرى، فاعلة، ولم تكن جغرافية المكان تنتج أفكار الإنسان (دائم الابتكار) فاعلة هي أيضاً، إذ إنَّ الكل يشير إلى التوقف عن الحركة، والتوقف هنا هو التمسك بالحياة، أو ديمومتها من أجل استمرارها، ولكي تستمر الحياة للأزمان القادمة أصبح العالم اليوم محبوساً.
ولعلَّ توقف البشر (في الغالب) عن الحركة والرجوع الى العقل لإعادة تنظيم الحياة، هو بحدّ ذاته يشكل القلق الكبير لهذا العالم، لأنَّ ذلك يشير إلى شيء في غاية الخطورة، ولم تكن الخطورة سوى مواجهة مع كائن لا تستطيع تشخيصه بسهولة، مع أنّنا نعيش في بلدٍ لا تدخل فيه جنسيات كثيرة من جنسيات العالم بشكل واسع، إلّا لضرورات محدودة، ومع كل ذلك نحن كأيّ جنس من البشر (في كل أنحاء العالم) وضعنا حداً لتحركاتنا وحددناها في حيز محدود، فالعالم كلّه مكبّل ومحبوس.
ولو قُدّرَ لنا أن نتجاوز هذه المحنة (بإذن الله تعالى)، كيف لنا إعادة تفاصيل الحياة بشكل ملائم مثل أيّ بلد فيه مواصفات الحياة السليمة، في واقعها الصحي والخدمي بشكل عام؟ وكيف لأنساننا الذي يعيش الآن أن يستعد لمحن أقسى وأشد من هذه التي نمرّ بها ويمرّ بها العالم بأجمعه؟ إنّها علامات استفهام منطقية لحياة بشرنا الآن، وما يثير الدهشة، إنّنا دائما نتحدث عن الأخطاء ونرسم لها طرقا للعلاج، ربّما لأنّ واقع الحروب المتلاحقة منذ عقود أثّرت في بنية مجتمعنا، وأنّ واقعنا الصحي أو الخدمي بشكل عام لم يكن الأفضل مثلما كان سابقا من بين دول الشرق الأوسط (كما تشير المصادر الى ذلك، وتحديدا في العام 1977 ضمن احصائية اليونسكو)، لقد أعادتنا هذه القراءات إلى نقطة المراجعة، إنّها مراجعة قسرية، أو بالأحرى أصبحت رغما عنّا كـ (واقع حال)، فالمحن ترغمنا على إعادة التفكير بكلّ الأشياء التي مررنا بها، ومنها بلا شك حالات الإحباط الكبيرة لأزماتنا، ولأنّ الحياة تستمر مهما كانت النتائج، فقد كانت مراجعتنا لواقعنا هي مراجعة لترتيب الأوراق المبعثرة التي خلفتها الأوضاع الدامية، ولأن العالم محبوس (في ركدته الإجبارية)، فما علينا سوى معرفة الطرق التي تؤدي إلى نجاتنا، ومن ثمّ الإنطلاق في بداية نحسبها خيراً وبداية تاريخية لنا، حتماً ستزول المحنة وسينفك العالم من حبسه وستكون انطلاقة جديدة.