الفاصلة التاريخية

آراء 2020/03/30
...

علي لفتة سعيد
 
لم يعد العالم يصدّق ان كل شيء يجري بصورة طبيعيّة بل لابد من أن تقف وراءه مؤامرة، مثلما لم يعد يثق بأي كلامٍ تحليلي يحاول التخفيف من حدة نظرية المؤامرة التي أصبحت بعد انتشار فيروس كورونا مؤثّرة جدا الى حدّ اللعنة.

فكلّ المؤشّرات التي حاول فيها المثقّفون حول العالم من أن الفيروس ربما يكون غضبا منه لما وصل اليه الانسان من تراجع في الروح الإنسانية والتربع على المصالح.حتى ان الشائعات الأولى لظهور كورونا في الصين من أن السبب وفق هذا المنظور، يأتي لأن الصينيين لا يؤمنون ويأكلون الكلاب والحيوانات المكروهة والزواحف الاخرى وإن غضب الله قد نزل عليهم، فضلا عن الإتيان بأقوالٍ وحكمٍ وحتى آياتٍ قرآنية لتثبيت هذه الحجّة، ثم ما لبث الأمر أن تحوّل حين انتشرت الإصابة في إيران الإسلامية من أن هناك من يريد إنهاك هذه الجمهورية التي تقف بوجه الويات المتحدة الأميركية وأن الأمر لتفتيت المجتمعات الإسلامية بحسب المذاهب والطوائف وتنمية الكراهية للوصول الى حالة من الاحتراب على أساس أن الرابح الأول منها هي إسرائيل، لتثبيت أركان دولتها على حساب الشعوب الإسلامية، وحين انتشر فيروس كورونا في العالم أجمع وأصيب به ومات من جرائه مواطنون من أكثر من 165 دولة، تحوّل الكلام حينها الى اتهامات، وبرزت نظرية المؤامرة الأميركية التي تشتغل على أساس الربح والخسارة وتحوّل الدولة القوية الأولى في العالم الى شركة قابضة وكلّ شيء في سبيل المال في عهد الرئيس الاميركي ترامب، ولهذا فان النظرية الأقرب الى التداول الآن في العالم من أن الأمر لا يخلو من مخطّط أميركي لتقتل المارد الصيني  قبل أن يتحوّل الى الاقتصاد الأول في العالم بعد أن تنامى لأكثر من سبعة بالمئة خلال هذا العام وتحوّل الاستيرادات العالمية باتجاه الصين التي تغرق كلّ الأسواق ببضاعة من ثلاثة أنواع، النوع الأول هو الصناعة الراقية التي تضاهي الصناعات الأوروبية والأميركية وحتى الروسية واليابانية وبسعر أقل، والنوع الثاني هو الصناعات المتوسطة التي تكون بسعرٍ رخيص للمجتمعات النامية كالهند ونمور آسيا وحتى الدول الأفريقية النامية وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق، والنوع الثالث هو الصناعات الأكثر رخصا في العالم التي يتم تصديرها الى  المجتمعات غير الدقيقة في الحكم والمستهلكة بشكل كبير والرخيصة التي يمكن للجميع أن يشتريها مثل العراق ومصر والدول الفقيرة الأخرى من دون مراعاة  أنها لا تصنع سلعا معمّرة بل سلع سريعة الاستهلاك.
إن هذه النظرية هي التي جعلت من نظرية المؤامرة تتحوّل في تشابكاتها واشتباكاتها بين المحلّلين التي جاءت بأكثر من طريقة، الاولى هي الانتقام الديني، والثانية هي الانتقام السياسي والانتقام التاريخي والثالثة هي الانتقام الاقتصادي، وكل هذا يمكن أن ينتج لنا مقولة، كلّ الطرق تؤدّي الى صناعة المؤامرة، التي لا يمكن إلّا تبنّي واحدة منها بحسب المجتمعات والمستوى ما يفيد وهذه المجتمعات وتضخّها العوامل التي تريد لهذه المجتمعات أن تؤمن بوجود هذه المؤامرة لاستغلالها في الصالح السياسي..ولهذا لا يمر يوم إلّا ويكون هناك تحليل لتصنيع وجه من وجوه المؤامرة ويدخل فيها حتى قرّاء الفلك والطالع والمستقبل.
إن فيروس كورونا كشف الكثير عن تلك العلاقات التي ينتجها العالم الذي نطلق عليه المتحضّر وتستهلكها المجتمعات وخاصة المحكومة بالغيبيات والصراعات الدينية أو المذهبية، وهي لم تخرج أيضا من موضوعة المؤامرة التي تخطّط لها القوى المعادية منذ نهاية القرن السابع عشر وما قبلها على المستوى البعيد، ومن انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز أميركا كقوة عسكرية واقتصادية واحتلال فلسطين وإقامة الدولة الإسرائيلية على أساس ديني على المستوى التاريخي القريب، حتى صرنا نقول إن لا شيء يكون في بلداننا من دون تخطيط من أميركا، بل زاد البعض في توقّعاتهم وتحليلاتهم أن أميركا تقود العالم لكن الاسكتلنديارد البريطاني هو من يحركها.
إن فيروس كورونا سيكون نقطةً فاصلةً في التاريخ للذين سيبقون أحياء ويكون ايضا محط تجارب تحليلية ولن يقف أحد على مسبباتها إلّا بعد مرور الكثير من الوقت والكشف عن الوثائق التي تعطي الدليل كما حصل مع وباء الطاعون وغيرها، لأنها ستكون هذه الأجيال الجديدة محكومة بتفكير المؤامرة.