العراق وثلاثية الشر

آراء 2020/03/30
...

أ.د. عامر حسن فياض
 
إن ماعاناه العراق حتى اليوم وسيظل يعانيه حتى الغد يتلخص بثلاثية الشر المتمثلة بآفة الارهاب ومرض الفساد وعلة المحاصصة، وتلك الثلاثية الشريرة لا تعالج بالمعاملة والتعامل بل بالمواجهة والمحاربة.
فاذا كان مسار محاربة الارهاب متقدما، ويتقدم على يد القوات الوطنية العراقية بمختلف صنوفها (الجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيشمركة) فان مسار مواجهة الفساد قد بزّ مع رغبة منشودة عراقيا بضرورة تقدمه على غرار تقدم مسار محاربة الارهاب من خلال تفعيل عملية الاستجوابات البرلمانية ومؤسسات النزاهة والرقابة والقضاء.
بيد ان الخشية من التراجع او المراوحة في مسار مواجهة الفساد قد تتأتى من انطلاق هذا المسار لاغراض التخادم السياسي او لاغراض التسقيط السياسي، فاذا كان هناك تستر على الفاسدين، فان الاستجوابات سوف لا تستهدف مواجهة الفساد بقدر ما تهدف الى التخادم السياسي المتبادل بين المتسترين على الفساد من فاسدين ومفسدين، كذلك الحال اذا كان هناك توقيت مسيس لكشف الفاسدين، فإن الاستجوابات سوف لا تستهدف مواجهة الفساد بقدر ما تهدف الى التسقيط السياسي المتبادل بين فرقاء العملية السياسية، وفي كل الاحوال لا يريد العراقي ان تؤثر ارتدادات هذه الاستجوابات سلبا في المسار القتالي العسكري والامني في محاربة المشروع الارهابي العالمي الفاشي المتأسلم، بل ان المشي الصحيح في مسار مواجهة الفاسدين والفاشلين والمحاصصين، ينبغي ان يكون متوازيا مع مسار محاربة الارهاب وذلك هو الطريق الصحيح لمواجهة ومحاربة ثلاثية الشر بل كل الشرور التي يراد بها للعراق.
إن معركة العراق مع الارهاب هي معركة تحرير وليس تمريرا، اي معركة تحرير وطني عراقي بامتياز وليست معركة تمرير مشاريع دولية او اقليمية او محلية جهوية ضيقة لصالح تلك القومية او ذلك المذهب او هذا المكون، عليه فان حديث الاشتراطات المسبقة او الشروط السابقة على انجاز اولوية التحرير من قبل اطراف دولية او اقليمية او محلية هو حديث غير بريء، بل حديث مشبوه وناكر ومعطل لاولوية 
التحرير. فاذا كانت هناك جائزة لمن يقتل الشر، فهذا لا يعني ان الجائزة تمنح مسبقا لكل من يدعى انه سيقتله، فهناك اطراف دولية واقليمية ومحلية عراقية اخذت مسبقا تضع اشتراطات بحجة ضمانات وببرقع التطمينات، بينما يتصل بمشاركة او بعدم مشاركة غيرها في معركة التحرير الوطني العراقي ضد الارهاب، بينما الرد الوطني والاخلاقي والمنطقي، يشير الى ان العراق ليس دولة صفرية الضمانات والتطمينات، ولا يحق لاحد ان يشترط مسبقا ضمانات وتطمينات جديدة بفعل وجودها اصلا بوجود الدستور الضامن الحقيقي دون سواه والذي نظم وينظم العلاقة بين الاطراف السياسية العراقية جمعيا ومن دون استثناء على اساس المواطنة واستقلال العراق ووحدة اراضيه والاستحقاقات والاوزان الانتخابية.
ثم ان الوطنية العراقية الحقة تؤكد ان لكل جهة عراقية افرادا وجماعات لهم الحق بالمشاركة في معركة التحرير الوطني ضد الارهاب ضمن اطر الدولة يقابل هذا الحق التأكيد بأنه ليس لاي جهة عراقية او غير عراقية افرادا او جماعات ايضا الحق في منع او اشتراط منع اشتراك اي جهة عراقية بمعركة التحرير هذه، يرافق ما تقدم هناك ضرورة لازالة وهم هو وهم الخشية من مشاركة الحشد الشعبي في هذه المعركة، لان هذه الخشية هي وهم حقا طالما ان الحشد هو جزء من المنظومة الرسمية العسكرية والامنية للدولة العراقية، وطالما ان الحشد هو عراقي بامتياز يحتضن التنوعات المجتمعية العراقية كافة، وطالما انه يعمل ضمن مبدأ حصر السلاح بيد الدولة تملكا وتمويناً واستخداماً، وطالما ان مستقبل الحشد سيؤطر ضمن قانون خدمة العلم المنشود تشريعه دستوريا.
استنادا لذلك فإنَّ عنوان الحشد الشعبي يثير مجموعة انتباهات، فمن حيث توصيف مساهمته فان معركتنا ضد الارهاب، كما قلنا، هي معركة تحرير وطني ومن حق اي عراقي ان يشارك في معارك تحرير العراق وليس من حق احد ان يمنع هذا الحق عن احد، والحشد الشعبي هو السند الشعبي والجزء المهم في المنظومة العسكرية والامنية للدولة العراقية.
ان الخصم في معركة التحرير هذه ليس خصما عراقيا ولكن يراد عالميا واقليميا ان يكون خصما عراقيا تحت عناوين غير بريئة مثل الصراع السني الشيعي او الصراع العربي الكردي او الصراع الاسلامي المسيحي، بينما الحقيقة تشير الى ان الخصم هو المشروع الارهابي العالمي الفاشي المتأسلم، والذي لا ينصر السني ولا الشيعي ولا الكردي ولا المسيحي، بل يهدف الى تدمير الدول الوطنية في المنطقة لتعيش الوحدات السياسية فيها حالات ولايات ما قبل الدولة الوطنية، وان عراق اليوم، كما هو حال دول المنطقة العربية، يعيش صراعا ما بين مشروعين هما مشروع بناء العراق الدولة الوطنية ومشروع الابقاء على العراق حالة كيان او كيانات ما قبل الدولة الوطنية، وان اطراف المشروع الاخير اي المشروع الارهابي العالمي الفاشي المتأسلم هم المخططون والرعاة من الغرب الرأسمالي النفعي المتوحش بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، والممولون لميزانية المشروع من المال الخليجي، والتنظيم العالمي للاخوان المسلمين كبعد تنظيمي حركي للمشروع ومقره تركيا، والوهابية كبعد عقائدي للمشروع، اما البعد التنفيذي للمشروع فانه يتمثل بالاجنحة والفصائل المسلحة بمسميات متعددة من القاعدة وصولا الى انصار الفرقان مرورا بداعش والنصرة وجيش الفتح وانصار الشريعة وانصار بيت المقدس وبوكو حرام واحرار الشام وجماعة الزنكي 
وغيرهم.
ان المطلوب في العراق ومن العراق التأكيد على معادلة( المواجهة عالمية والحسم عراقي) فالمواجهة العالمية تتطلب دعما دوليا وللاخير مستويات وما عدا مستوى الدعم القتالي البري الاجنبي، فان كل مستويات الدعم الدولي الاخرى مقبولة عراقيا مثل( التسليح– التدريب– تجفيف منابع تمويل الارهاب– منع تسهيل المرور والعبور للارهابيبن بين الدول– اعانة النازحين واعادة اعمار المناطق المحررة– الضغط السياسي والدبلوماسي على الدول الممولة والحاضنة للارهاب والارهابيين– الاسناد الجوي في ضرب اوكار الارهاب– وحملات التوعية ضد الفكر
المتطرف).
إنَّ التأكيد على قبول مستويات الدعم الدولي آنفة الذكر عدا مستوى الدعم القتالي البري الاجنبي، يذكر هنا لان التجربة العملية اثبتت ان العولمة النفعية الغربية المتوحشة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لا تريد تدمير الارهاب وتبديده، بل تريد استخدامه وتوظيفه مرة بالسكوت عن تمدد الارهاب ومرة بالدعم المباشر للابقاء عليه ومرة بالضرب الخجول عند خروجه عن بيت الطاعة الغربي النفعي المتوحش. ووفق الرؤية التوظيفية هذه ممنوع انتصار داعش في العراق وممنوع انتصار العراق على داعش بينما ستظل الرؤية العراقية لمحاربة الارهاب تنطلق من معادلة ضرورة المواجهة العالمية والحسم العراقي.
اما عن مسار الاصلاح لاستكمال مواجهة ومحاربة ثلاثية الشر فينبغي ان ينتقل الاصلاح وبرامجه من دائرة المطالبة والقول الى دائرة التنفيذ والفعل من دون العبث بالاولويات واولها تدميرعصابات داعش عسكريا وهزيمة طابورها الخامس( الفاسدين والفاشلين والمحاصصين) سياسيا من قبل نظام سياسي اصلاحي قادر على تجنب العمى بالاولويات وسد العوز بالتشريعات وعبور العجز بالخدمات وتقويم العوق بالمؤسسات ومعالجة العقم بالانتاج ومحاربة العبث بالمال العام وتفكيك عقدة المحاصصة
بالسياسة.