العادات الضارة والسلوك الوقائي

آراء 2020/03/31
...

د.محمد فلحي
 
أزمة فيروس «كورونا» دعت أغلب شعوب العالم الى مراجعة العادات الاجتماعية الضارة وغير الصحية، فمن المعروف ان البيئة ملوثة بالكثير من المايكروبات والفيروسات التي لا ترى بالعين المجردة، لكن مخاطرها مدمرة لصحة الإنسان، وعندما كان بعضنا ينتقد تلك العادات المتخلفة يقابله بعض الجهلة بالرفض، فهي لديهم من المقدسات المتوارثة، وكأنهم يقولون» هذا ما وجدنا عليه ابائنا» مثل أقوام الجاهلية الأولى!
النظام الصحي في العالم كله يقوم على ثلاث ركائز أساسيَّة (النظافة+ الوقاية+ العلاج)، فالنظافة تعني نظافة البيئة بصورة عامة، ثم نظافة البيت، ثم نظافة الجسم، ولكل من هذه المجالات قواعد وعادات معروفة ينبغي على المرء مراعاتها، وقد كان الدين الإسلامي سباقاً في ترسيخ عادات النظافة من خلال آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة من أشهرها قول الرسول الكريم (ص): «النظافة من الإيمان»، ويطبق المسلمون منذ أكثر من أربعة عشر قرناً سلوكيات صحية مثل الوضوء والاستحمام والطهارة والغسل وغيرها، وذلك على الرغم من شح الماء وندرته في مجتمع الجزيرة العربية موطن الإسلام ومهده الأول، حتى أن بعض المستشرقين عدّوا قواعد النظافة في المجتمع الإسلامي من المعجزات التي لم تدرك أهميتها بقية الشعوب إلا في عصور متأخرة!. أما الوقاية فهي من أهم قواعد الصحة التي تعتمد على تقوية مناعة الجسم لصد هجمات الميكروبات والفيروسات ومنعها من اختراق الدفاعات الطبيعية التي جعلها الباري عز وجل من أسرار استمرار الحياة وتطورها، وتتعزز المناعة عبر التغذية الصحية والنشاط اليومي والجمع بين الراحة النفسية والجسدية في آن معاً!
من المعروف أن جسد الإنسان يكتسب المناعة عادة بعد تعرضه لبعض الأمراض، وهو ما تقوم عليه فكرة التلقيح ضد الكثير من الأمراض، وفي الأزمات التي تواجهها البشرية ينبغي أن يستفيد الإنسان من الأزمة فيغير سلوكه ويحسن عاداته لتكون مهذبة صحية، وهو ما يمكن تسميته بـ» المناعة الاجتماعية» وسوف أبدأ بعادة يعدها بعضهم من المقدسات، وقد يخشى الكثيرون انتقادها خوفاً من ردود فعل الجاهلين، وما أكثرهم في بلد أصبحت نسبة الأمية فيه أكثر من ربع عدد السكان،حسب احصائيات وزارة التخطيط!. عند انتشار الأوبئة يتوجب منع التجمعات البشرية الكبيرة والابتعاد عن الاختلاط بين الناس خشية سريان العدوى،وقد تعاملت المرجعية الدينية الشريفة في النجف الأشرف مع أزمة كورونا وفق معطيات العلم والطب، فوجهت بتعطيل بعض الواجبات الدينية مؤقتاً مثل صلاتي الجمعة والجماعة وزيارات الأضرحة المقدسة، لكن بعض الناس ما زالوا يصرون على مخالفة تلك التوجيهات الرشيدة، ويتصرفون بطريقة معاكسة تماماً!
من العادات التي ينبغي الحديث عنها بجرأة عادة تقبيل أبواب الأضرحة المقدسة والشبابيك التي ليس لها أي سند ديني، ولا يوجد نص قرآني أو حديث نبوي شريف يسندها، ولا تعر من طقوس الزيارة أبداً، رغم أن الكثيرين يعدونها من مظاهر محبة آل البيت عليهم السلام، ولكن طقوس الزيارة الصحيحة تقتصر على الطهارة والوضوء والنظافة والصلاة والدعاء وقراءة سورة الفاتحة ترحماً على أرواح المتوفين، وقد جلبت عادة التقبيل للأضرحة الكثير من الانتقادات، وهناك من اعدها نوعاً من الشرك بالله سبحانه، وهي في الواقع عادة اجتماعية غير مستحبة في ظل الظروف الحالية، وأصبح تجنبها أفضل، وذلك مراعاة للصحة العامة وعدم انتقال الأمراض المعدية!
هناك عادة منتشرة أيضاً وهي المصافحة ثم التقبيل حتى أن بعض الأصدقاء قد يعاتبك عندما تصافحه فقط، أو تضع رأسك على كتفه ولم تقبله، ولكن تجنب التلامس المباشر قد يكون وسيلة وقاية لا بد منها،حتى لو زعل بعضهم!
من العادات الضارة غير الصحية شرب القهوة أو الشاي أو تناول الطعام في مجالس العزاء» الفواتح» واستخدام الفناجين غير المغسولة التي تنتقل من فم لآخر مئات المرات، وتنقل الكثير من الأمراض، وفي آخر عزاء حضرته رفضت شرب القهوة، واكتفيت بقدح الماء المعلب، فراح بعض الحاضرين ينظر إلي باستغراب، وأنا اقول في نفسي: ألف صديق زعلان ولا كرونا واحد!
حفظكم الله ووقاكم شر الأمراض، وجعل من هذه الأزمة تجربة مفيدة وليست ضارة!