حماية الجنين من كورونا

بانوراما 2020/04/01
...

ترجمة/ أنيس الصفار                                             
 
يبدو أنّ حديثي الولادة والأطفال هم الأبعد حتى الآن عن التأثّر بفيروس كورونا إلى حدّ كبير، بيد أنّ ثلاث دراسات حديثة تشير إلى احتمال تمكّن الفيروس من الوصول إلى الجنين وهو في رحم أمّه!
حتى في هذه الحالة، كما يقول الخبراء، تفيد الدراسات أنّ حديثي الولادة قد لا يتأثرون بالفيروس، أو أن تأثّرهم يكون خفيفاً، وهذا أمر مطمئن. ينبغي الإشارة إلى أنّ هذه الدراسات كانت صغيرة محدودة، وأنّها لم تخرج بنتائج قاطعة بعد بشأن ما إذا كان الفيروس قادراً حقاً على النفوذ عبر المشيمة.
تقول الدكتورة “كارولين كوين” من جامعة بتسبرغ، التي تتركز دراساتها على المشيمة كمصدّ ضدّ الفيروسات، ولو أنّها ليست من المشاركين في الدراسات الأخيرة، إنّها لا يمكن أن تقتنع بهذه السرعة أنّ فيروس كورونا قادر على اختراق المشيمة.
رغم هذا هي دراسات تستحق الاهتمام، كما تقول الدكتورة كوين، لأنّ الفيروس إذا كان قادراً بالفعل على المرور عبر حاجز المشيمة فإنّه قد يشكل تهديداً لسلامة الجنين في مراحل الحمل الأولى عندما يكون دماغه لا يزال في أضعف حالاته وأكثر عرضة للتضرر. 
الحوامل في أغلب الأحيان يكنَّ أكثر عرضة للإصابة بعدوى الجهاز التنفسي، كالانفلونزا والمضاعفات التي تعقبها، وكذلك أطفالهن نتيجة لذلك. لكن من غير الواضح بعد إن كان احتمال إصابة الحوامل بفيروس كورونا المتجدد أعلى من سواهن، كما تقول الدكتورة “كرستينا تشامبرز”، المتخصصة بأمراض ما قبل الولادة في جامعة كاليفورنيا.
تقول الدكتورة كرستينا: “ليست لدينا أيّة فكرة بهذا الخصوص، والمسألة لا تزال مفتوحة تماماً في هذه المرحلة.” كذلك ليس من الواضح شكل التأثير الذي يمكن أنْ يسببه الفيروس بالنسبة للجنين، كما تضيف.
تعمل المشيمة عادة على منع مرور الفيروسات والبكتريا الضارّة ووصولهما إلى الجنين، بيد أنّها تسمح للأجسام المضادّة المساعدة التي تأتي من جسم الأمّ لتحافظ على سلامته وتحميه من الجراثيم، قبل الولادة وبعدها.
غير أنّ قلة من الفيروسات تستطيع المرور والوصول إلى الجنين، وعندئذ تعيث فساداً وتخريباً. أحدث مثال على هذه الحالة فيروس زيكا الذي يسبب انكماش حجم الرأس بالإضافة إلى تخريب شديد لجهازه العصبي، خصوصاً حين تقع الإصابة خلال الثلث الأول أو الثاني من فترة الحمل.
لكن يبدو أنّ لا فيروس كورونا ولا أقاربه الأكثر شيوعاً ينتمون إلى هذه الفئة الخطرة من الفيروسات. تقول الدكتورة كوين: “لولا هذا لرأينا مستويات عالية من حالات الاجهاض أو الولادة قبل الموعد.”
في شهر آذار نشرت مجلة “ذي لانسيت” دراسة شملت تسعة أطفال حديثي الولادة من مدينة ووهان الصينية. هذه الدراسة خلصت هي الأخرى إلى أنّ فيروس كورونا المستجد لم يبدُ عليه أنّه قد تمكّن من الانتقال من الأمّ إلى الجنين.
بيد أنّ الباحثين في اثنتين من الدراسات عثروا على أجسام مضادة لدى الأطفال حديثي الولادة تستطيع التعرف على الفيروس، وقد أوحى لهم هذا بأنّها أجسام وصلت إلى الجنين انتقالا من أمّه. 
عثرت الدراستان على مستويات عالية من الأجسام المضادة لدى حديثي الولادة تسمى “إميونو-غولبيولين ج” وهذه معروفة بالقدرة على الانتقال من الأمّ إلى الجنين عبر المشيمة. بيد أن الدراسات وجدت لدى ثلاثة من الأطفال حديثي الولادة أيضاً أدلّة على وجود نوع آخر من الأجسام المضادّة المسماة “إميونو-غولبيولين م” وقد تمكنت هي أيضاً من التعرف على فيروس كورونا. إلّا أنّ هذه الأجسام كبيرة الحجم ولا يمكنها الانتقال عبر المشيمة.
في إحدى الدراسات وجد الباحثون مستويات عالية من “إميونو-غولبيولين م” لدى وليد لم تمض على ولادته أكثر من ساعتين، ولما كانت هذه الأجسام تستغرق أياماً لبلوغ هذه المستويات المرتفعة فإنّ العثور عليها لدى هذا الوليد يدحض احتمال تعرضه للفيروس بعد الولادة.
تقول الدكتورة كوين: “من المتوقع أنّ الفيروس قادر على اختراق حاجز المشيمة، ولعلّ هذا هو التعليل لما نراه.”
النقص المهم في الدراسات الجديدة المشار إليها، كما تقول كوين، هو أنّ الباحثين لم يفحصوا المشيمة نفسها ولا الدم في الحبل السري أو السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين بحثاً عن الفيروس. مسحات البلعوم التي أخذت للوليد من أجل البحث عن المادة الوراثية للفيروس لم تعطِ نتائج موجبة.
يقول الدكتور “وي شانغ” المتخصص بعلم الأوبئة من جامعة الشمال الغربي: “الأدلة التي حصلوا عليها في ما يخص احتمال الانتقال العمودي بين الأمّ وطفلها لا تزال غير مباشرة وقائمة على أساس تحليلات الدم فقط.” لذلك فإنّ النتائج لا تعد إثباتاً قطعياً على حدوث انتقال عمودي، على حد تعبير الدكتور شانغ.
في الدراسة الثالثة كان هناك أيضاً ما يشير إلى إمكانية وجود انتقال عمودي. ففي هذه الدراسة ظهرت علامات خفيفة لمرض كورونا على ثلاثة مواليد من أصل 33 طفلاً ولدوا حديثاً لنساء مصابات بالفيروس. يقول الأطباء إنّهم لا يستطيعون نفي احتمال أن يكون انتقال الفيروس من الأم إلى جنينها هو مصدر العدوى.
قد تأتينا بالأجوبة دراسات يجري العمل فيها حالياً. تقول الدكتورة تشامبرز إنّها وزملاؤها قد باشروا بإعداد قائمة بنساء حوامل يشتبه بأنّهن مصابات بعدوى كورونا، أو أنّ إصابتهن مؤكدة، للمشاركة في دراسة ستعكف على مراقبة أوضاعهن خلال مرحلة الولادة ومتابعة أطفالهن حتى بلوغهم العام الأول من العمر. كذلك يعتزم الباحثون إجراء فحوص لتحري وجود الفيروس في حليبهن.
مشاريع مماثلة ابتدأت أيضاً في جامعتي كاليفورنيا وهارفارد ومستشفى “سيدار سيناء” بلوس أنجلوس.
تقول الدكتورة كوين متحدثة عن الفيروس: “قد يكون من  الصعب الآن معرفة حقيقة الضرر الذي قد يحدثه داخل الرحم، ولن نعلم هذا حتى تكتمل عندنا دورة كاملة من الحمل والولادة.”   
 
أبورفا ماندافيللي/عن صحيفة نيويورك تايمز