سلام مكي
المحنة التي يعيشها البلد، والمتمثلة بتفشي فيروس كورونا، واستمراره بالانتشار والتمدّد في أغلب المدن، استدعت من كلّ مؤسسات الدولة، التكاتف والتلاحم في ما بينها، أو كلّ حسب اختصاصه وصلاحياته، للمساهمة وفق ما متاح له بمواجهة هذا الخطر. ولعل مجلس القضاء الأعلى، أحد تلك المؤسسات التي تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة، في أن تكون أحد أذرع الدولة، وأدواتها الفاعلة في تحشيد جميع الإمكانيات والقدرات الكافية لفرض هيبة ووجود الدولة في هذا الظرف الصعب، خصوصا وأنّ مجلس القضاء الأعلى، هو الجهة الوحيدة التي تطبق القوانين، وتسهم مع الجهات الأمنية بفرض الأمن وإرساء دعائم القانون. في الظروف غير الطبيعية أو الطارئة، تبرز الحاجة الفعلية لتطبيق القانون، وهذا ما قام به المجلس منذ الأيام الأولى للأزمة، عبر إصدار مجموعة توصيات وإعمامات لجميع المحاكم التابعة للمجلس، توصي بضرورة تطبيق القانون بحق كلّ من يخالف النصوص القانونية، أو الأوامر التي تصدر من الجهات المختصة، وخصوصا خلية الأزمة المشكّلة بموجب الأمر الديواني رقم(55) لسنة 2020 التي تتولى مسؤولية المواجهة مع المرض. مقررات خلية الأزمة، قد لا تكون ذات قيمة على أرض الواقع، ما لم تكن مدعومة من القضاء، عبر الإيعاز إلى تشكيلاته أو المحاكم التابعة له، لدعم كل ما يصدر منها، خصوصا تلك التي تكون على تماس مباشر مع المواطن. وكان من أبرز مقررات المجلس، إيعاز السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى، للمحاكم ومكاتب الادعاء العام، القيام بعدد من الاجراءات الكفيلة بحماية المواطن، ومحاسبة المقصّر والمخالف لتوجيهات وقرارات خلية الأزمة، ومن تلك القرارات التي اتخذت من قبل القضاء:
-اتخاذ الاجراءات القانونية وفق أحكام المادة (368) من قانون العقوبات بحق كل من يتسبب بنشر هذا الفيروس من خلال بثّ الشائعات الكاذبة حول الإصابات بالمرض أو الاستهزاء بخطورته أو تشجيع المواطنين على التجمعات بأيّ شكل من الأشكال والتي منعتها لجنة الأمر الديواني بالرقم (55) لسنة2020
- اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المصابين بالفيروس والممتنعين عن تقديم المعلومات إلى الجهات الطبية المختصة لمعالجتهم والقيام بالإجراءات اللازمة للحجر.
- التأكيد على الجهات الأمنية المختصة على تنفيذ حظر التجوال بشكل كامل وإلقاء القبض على كل من يخالف ذلك بالتعاون مع المحاكم الخافرة التي سوف تتابع تنفيذ حظر التجوال.
هذه القرارات المهمة كانت سببا رئيسا في منح إجراءات خلية الأزمة شرعية قانونية وإدارية، ومكّنت القوات الأمنية من القيام بواجباتها، إذ إنّ قيام القضاء بمنحهم الضوء الأخضر في تطبيق كامل نصوص القانون، وحمايتهم من أيّ تجاوز أو مقاضاة بسبب تطبيقهم القانون، أسهم إلى حد بعيد في الاستمرار بتطبيق القانون. ومن مصاديق هذا الكلام، هو حظر التجوال، إذ سلكت القوات الأمنية السبل الودية كافة لمنع خروج الناس للتجوال، ولكن حين لم تجد تلك القوات استجابة كافية، قررت تطبيق القانون على المخالفين، وهو ما أسهم إلى حد كبير بالالتزام بالحظر. إنّ حضور القضاء في هذه الظروف، رغم أنّ حظر التجوال منع المؤسسات كافة، ومنها المحاكم، من ممارسة عملها بشكل طبيعي، ووجوده الفاعل مع باقي المؤسسات، يدلّ على حرصه الشديد على المساهمة في إرساء القانون في البلد.