أستغرب من عدم ردّ وتحرك الحكومة، أو أيّ من الجهات المسؤولة المصنّفة عليا أو بخطوط أدنى في ما يتعلق بمطالبات وصيحات المواطنين بضرورة دعمهم أثناء تطبيق حظر (كورونا)، لا سيّما في قطاع التواصل، إذ أصبح النت وشبكاته العنكبوتية الموبايليّة يشكّل عصبا حيويا مهما لا بديل عنه لمواطن ظلّ طوال عقود حبيسا وما زال يبحث عن نفسه وكيانه يتنسم عبير حريته ولو بطريقة عبثية. العجيب أنّ الاتصالات المعنية تسحب مليارات الدنانير يوميا من جيوب المواطنين لكن الفم الحكومي مطبق حد الخجل في الرد على أيّ مقترح نيابي أو مطلب حيادي. طرح هذا السؤال، بالمصادفة، في سوق الخضرة الذي شهد تدافع المواطنين، لا سيّما الفقراء منهم، للحصول على بعض ما يصمدهم خلال الأزمة، إذ إنّ الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في كل زمان (دكتاتوري أو ديمقراطي) تكون مؤمّنة أحوالها ومقتضياتها وأمنها الأسري والمحيط القريب منها إلى أطول مدة ممكنة، في طبيعة إنسانية، للأسف، مجبولة عليها منذ القدم وستبقى حاكمة أبد الآبدين، إلّا منْ رحم ربي.
بما أنّ الحكومات (مبخوتة) بمعنى أنّها دوما تمتلك حظ الدفاع عنها من قبل متطوعين بالإنابة، كما أنّ الناس فيهم الكثير من الملكيين أكثر من الملك، تكفّل أحدهم بالردّ على السؤال، قائلا: الحكومة لديها ملفات كبيرة عديدة لا يمكنها أن تجيب على كلّ شيء، حتى عن أمنيات مواطنين عابثين، فليس مهما ما تدّعيه من الإنترنيت والتواصل، فكلّ أسرة حريصة مطبقة لإجراءات الحظر عليها أن تتواصل عبر النت، وهذا غير مكلف وأسعاره زهيدة تكفي لأسرة كاملة شهريا، فلم تخلقون إشكالات وتسمحون بفضاءات يتاح لكل من هبّ ودبّ الخوض بها ولو من باب اضطراب الوضع والمساهمة بإرباك المشهد والإساءة للحكومات، بعد أن تعلّموا على القهر والمعارضة ولا يعجبهم العجب.
ردّ أحد المواطنين من أصحاب البسطيات، أي ممّن يعتمد على قوتِه عبر ما تحصل عليه ذراعاه من كدح يومي: مشكلتكم أنتم أتباع السلطان في كل زمكان، لا سيّما أولئك الذين يجيدون تغيير وجوههم وأزيائهم، بل أسمائهم وألقابهم حسب كل ظرف، لديهم قدم مع السلطة، بينما يضعون قدما احتياطية في الجانب المعارض، هكذا دواليك يعتاشون على رقاب الفقراء.
تدخّل آخر قائلا: استهدوا بالرحمن يا أخوان، نحن بمحنة علينا الصبر. كما أنّ تخفيض أجور النت ليست سهلة ويجب أن يلجأ بها إلى البرلمان وربما يتطلب اللجوء إلى التظاهر، وهذا ما لا يسمح به الظرف، وستنجلي الأزمة وتمر المحنة ونعيش معا مرة أخرى بإذن الله، فإنّ مع العسر يسرى ومن صبر ظفر.
قبل تفرّقهم قال أحد المتسوّلين حد الجنون الذي كان يهذي وحده في الشوارع والأزقة: أيّها الناس، أنتم مجانين مثلي، كيف تعتقدون تخفيض أجور التواصل وهي بالمليارات يوميا، تمثّل دخل رؤوس السلطة وأجندات الداخل والخارج وتشكّل تمويل أحزاب وكتل وربما دولا مجاورة، فلأيّ عين تريدوهم يكرمونكم وما أنتم إلّا مجانين مثلي بالقهر والصبر، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون). ضحك الجميع، بينما بكى آخرون منلوجياً، وساد صمت وخيّم ليل، على أمل اتساع حدقات السماء لإطلالة فجر منتظر يرونه بعيدا ونراه قريباً!