وقاية بأقل سعر

آراء 2020/04/01
...

نوزاد حسن
 
منذ الأيام الأولى من تفشّي وباء كورونا كانت ارشادات الأطباء تتلخّص في نقطة مهمة جدا، وهي البقاء في المنزل, وعدم الخروج منه إلّا لضرورة ملحّة. وأضافوا لهذه المعلومة الطبّية نصيحة أخرى، وهي تعقيم اليدين والمنزل بالمطهرات.
في البداية كما يتذكر الجميع لم يكن أحدٌ يدرك أنّ البقاء في البيت وملازمته ستكون إحدى أهم مشكلات مواجهة كورونا. قبل الحظر كان الدوام قد تقلّص بنسبة خمسين بالمئة, بمعنى أنّ الحركة والعمل كانا مباحين بحدود النصف من عدد الموظفين. أمّا الأعمال في القطاع الخاص فكانت تمارس من دون تقييد مع إرشادات طبية تؤكد على لبس الكمامة ووضع مسافة متر ونصف المتر بين شخص 
وآخر.
مع الوقت ضاقت حلقة الفيروس علينا أكثر, وانتهينا إلى حظر التجوال، شاركت القوات الأمنية بتطبيقه لأنّ الكثيرين لم يلتزموا، ومن هنا لوحظ ازدياد عدد الاصابات. وها نحن نصل إلى حظر كليّ للتجوال بعد الساعة الساعة مساء حتّى الخامسة صباحا. ما يهمني في كل ما قلت هو هذه الحملة الإعلامية الكبيرة التي شارك فيها فنانون ومثقفون من أجل إقناع الناس بلزوم البيت وعدم المجازفة والخروج من المنزل إلّا لسبب مهم كالتسوق أو شراء دواء من
 الصيدلية.
اتّفق أكثر المختصين أنّ أهم ما يمكن أن نواجه به فيروس كورونا هو بقاؤنا في البيت. لنفكر قليلا ببساطة هذه النصيحة التي تكررت آلاف المرّات على مسامعنا. قد يكون هناك من سيتعرض لضائقة معيشية إن بقي بلا عمل, هذا شيء موجود ولعل يدّ العون ستمتد إلى جميع المحتاجين بحيث لن يكونوا في حاجة حتى نتخلص من هذا الوباء.
أنا أتحدث عن أولئك الذين يكسرون الحظر لأنّهم بدؤوا يشعرون بالملل في المنزل، وهذا شيء واضح جدا نراه على صفحات التواصل الاجتماعي. نعم هناك العشرات والعشرات من الشبان أراهم يتجمعون مع بعضهم في حلقات ضحك وتعليقات في الأزقة. يبدو أنّ شعور السجين يلازم بعضهم فيهربون من جدران سجن البيت إلى الشارع. وفي الحقيقة هذا شيء استغربه جدا، وربما لو بحثنا عن أسبابه لاكتشفنا أنّ مزاج الكثيرين يرتبط بما هو خارج أنفسهم. هذا يعني أن مملكة الذات تتقلص ومملكة العالم المادي في الخارج تتوسع 
كثيرا.
قبل كورونا كنت أعيش كما لو أنّ حظرا للتجوال قد طبق في بغداد. أعود من دائرتي لأظلّ في البيت أقلّب الكتب أو أكتب ما يشغلني مع بعض الميول غير الضارّة كمشاهدة فيلم أو متابعة تقرير أو الانغماس في محاضرة عميقة لأحد أساتذة التنوير أو التنمية البشرية.
قبل كورونا كانت كورونا تحاصرني لذا لا أجد سبباً لكل هذا التذمر من البقاء في المنزل مع أنّ هذا البقاء هو للحفاظ على سلامتنا وسلامة الجميع لأنّ انتشار هذا الوباء سيعرض كل حياتنا إلى الخطر والدمار الاقتصادي.
بأقلّ سعر يمكن أن نتجاوز المحنة. الوقاية الوحيدة التي حفظناها هي أن نبقى بعيدين قدر الأمكان وننتظر فجر اليوم الذي نتخلص فيه من هذا المرض الذي انتشر في دول كثيرة ومختلفة في كل قارات العالم.