حكاية منع التجوال عبر التاريخ

ثقافة شعبية 2020/04/02
...

باسم عبد الحميد حمودي
 

بقدر الحزن الذي يحيط الإنسان وهو يجابه الوحش الاسطوري (كورونا) منصاعاً الى تعليمات حظر التجوال الضرورية التي سادت العالم ,يجد الكاتب فرصة للتفكير في هذا الموضوع:
ترى كيف بدأت فكرة حظر التجوال عبر التاريخ؟ وهل ان من الصحيح أن الفكرة عراقية بدأت خلال حكم ملك الوركاء كلكامش(بين 2800-2500 ق.م) خلال معركته بالتعاون مع أنكيدو ضد ثور السماء والتي استمرت لفترة منع فيها التجوال في الوركاء حتى تم انتصارهما على الثور وذبحه؟ أم أن الامر لا يتعدى الا (اسطورة) أضيفت الى الأسطورة الاساسية؟
لا يمكننا أن نبت برأي حول هذا,لكننا نقول أن فكرة منع التجوال عراقية بالتأكيد بدأت عندما قام ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء الذي حكم بين 509-549 م بفرض حظر التجوال على سكان الحيرة وما جاورها في يوم النحس الذي قرره مقابلاً ليوم السعد
وان ظفر جنود المنذر برجل يجول شوارع مدينة الحيرة في يوم النحس. يقتل!
كان سبب حظر التجوال عند هذا الحاكم الطاغية هو قيامه ليلاً (وقد أثقلته الخمرة) بقتل نديمين له كان يحبهما ,فلما صحا أدركه الندم ,واعلن ذاك اليوم يوم النحس ,وأمر بقتل كل من يتجول في مدينة الحيرة في ذلك اليوم الذي هو يوم واحد في العام ,وكان ممن قتلهم هذا الحاكم المجنون الشاعر عبيد بن الأبرص الذي انشد قبل قتله ظلماً يقول:
وخبرني ذو البؤس في يوم بؤسه
خصالا أرى في كلها الموت قد برق.
وترد اخبار اخرى ان القاتل كان النعمان بن المنذر وفي يوم البؤس المفروض ,وترد حكايات أخرى عن قتل شعراء آخرين في يوم منع التجوال هذا.
ويظل تاريخ منع التجوال مرتبطاً باحداث جرت في العراق حيث فرضه في البصرة زياد بن أبيه والي معاوية بن ابي سفيان على الناس يوم عدم مبايعتهم لمعاوية.
كان ذلك عندما القى خطبته البتراء في المسجد(وقد سميت كذلك لانه لم يسلم ولم يذكر الرسول عليه الصلاة السلام في مقتبل خطبته)وعندما لم يجد تأييداً له في البيعة لابن أبي سفيان أمر قائد شرطته عبد الله بن الحصين بقتل كل رجل يخرج ليلاً في الشارع، إرهاباً لأهل البصرة.
وحدث أنْ وجدت الشرطة رجلاً نائماً في الشارع (وقد دخل البصرة بعد سفر متعب ونام في شارعها دون علم بشيء) فأمر زياد بقتله,وكان ذلك سبباً لثورة عارمة خففت من أمر منع التجوال.
وكان الحجاج الثقفي والي العراق في زمن عبد الملك بن مروان قد فرض على أهل الكوفة منع التجوال ليلاً وقتل منهم من قتل خلال هذا الأمر.
وينقل الاستاذ أحمد الجزراوي في كتابه عن بغداد حكاية أول منع للتجوال تم في بغداد عام282 للهجرة -895للميلاد عند الرابع من ربيع الأول عندما نقلت(قطر الندى) ابنة ابي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون حاكم مصر الى بغداد كزوجة للخليفة العباسي المعتضد حيث (أغلقت أبواب الدروب التي تلي الشط ومدت على الشوارع التي تلي النهر والمؤدية اليه الستر والأشرعة) ومنع الناس من الظهور حتى على سطوح منازلهم حتى مرور العروس الى قصرها!
لم يسعد احد بهذا الحفل سوى الخليفة وانصاره كما لم يسعد احد بعد ذلك باعوام كثيرة بلغت اكثر من خمسمئة عام عندما اعلن عن منع التجوال واعلان الاحكام العرفيةالفريق الاول الركن نورالدين محمود رئيس الوزراء العراقي الذي امر الوصي عبد الاله باستيزاره في 23 تشرين الثاني 1952 بعد انتفاضة بغداد والمدن الاخرى نتيجة للاوضاع السياسية والاقتصادية السيئة.. آنذاك!
لا يأتي منع التجوال الا وتكون ازمة وقدمنا بعض ذكراه ووقائعه عراقياً راجين زوال (كورونا) اللعين عن أرض الرافدين المباركة وعن بقاع العالم بأسره, وأن يهتدي البشر الى الخير بدلاً من حرب الجراثيم السيئة التي عم شرها على الناس أجمعين.