عدوية الهلالي
تعلمنا من أزمة وباء كورونا شيئاً واحداً على الاقل، هو اننا جميعاً في القارب نفسه، نحن واولئك منا غير القادرين على الحجر الصحي او التماس العلاج والذين يعرضون حياتنا وحياة الآخرين للخطر.. فاذا فشل احدى البلدان في احتواء الفيروس، فإنَّ الدول الاخرى محكوم عليها بالعدوى ، ومع ذلك ، فشلت أنظمة الحماية الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم فشلاً ذريعاً في حماية حياة وموارد الاشخاص الضعفاء.. اليوم ما يقرب من نصف سكان العالم ليس لديهم تأمين صحي او امكانية الحصول على خدمات صحية ، ولايستطيع العديد من الناس تحمل العلاج عندما يكونون مرضى – بما في ذلك عندما تكون لديهم أمراض معدية للغاية مثل فيروس كورونا ..يضاف الى هذه المشكلة الاغلبية الساحقة من العمال الذين لايستطيعون تحمل اجازة مرضية او التعامل مع حالة طوارئ غير متوقعة لذا يضطر بعض المرضى الى العمل احياناً على حساب تعريض حياتهم وحياة الآخرين للخطر.. من هنا، جاء قرار حظر التجوال ثم تمديده لغرض حماية المواطنين من الخطر ومن المجازفة بحياتهم وحياة الآخرين ، وهنا بدأ دور الدولة في توفير الحماية من البطالة في بلد لا يمتلك افراده تأميناً صحياً ولا ضماناً اجتماعياً في حالة طارئة كالتي نمر بها الآن، وهو مادفع العديد من اصحاب المهن البسيطة التي توفر لقمة عيش يومية الى كسر حظر التجوال على الرغم من الضغط الامني وتعليمات خلية الأزمة» وهذا خطر صحي»، فاذا كان الفيروس يهدد رفاهية مجتمعات باكملها، فكيف يكون الحال في بلد انهكته الازمات قبل ان تواجهه هذه الازمة العالميَّة..
يقول أحد المفكرين ان الأزمة تلد الهمة ، وان الازمات عندما تحتدم يتركز اهتمام الجماهير في مشكلة محددة وتكون هذه الفترات على قصرها من اخصب لحظات التاريخ انضاجاً للوعي الشعبي ، وهو مادفع العديد من المواطنين الى التعامل بشكل ايجابي مع الازمة من خلال التكافل الاجتماعي والالتزام بتعليمات حظر التجوال وسعي الخيرين افراداً أو مؤسسات دينية وثقافية ومجتمعية الى مساعدة الاسر الفقيرة ومحاولة سد حاجتهم من المواد الغذائية والطبية خلال فترة حظر التجوال ، لكن الهمة التي تتطلبها الازمة لايجب ان تقتصر على المساعدة الطوعية والكيفية لأنها لن تشبع كل فقير او تسد حاجة لعاطل عن العمل..
ربما لن يمكن لحكومتنا تقديم الدعم الاقتصادي والمالي لجميع الاسر، كما فعلت بعض الدول عبر توفير اعانات للعمال المعطلين عن العمل ،وتقديم مساعدات اجتماعية للسكان الضعفاء ومنح راتب مؤقت لكل مواطن خلال الازمة ، لكنها ستكون امام مهمة ملحة وضرورية، لابد ان تضعها اية حكومة في حسبانها اذا ارادت ان يجتاز شعبها الازمات الطارئة ، اذ تحتاج الحكومة المستقبلية الى الاستفادة من الزخم الذي اوجدته الازمة الحالية للتحرك بسرعة نحو وضع انظمة حماية اجتماعية شاملة وممولة بشكل مدروس ، عندها فقط ستكون مجتمعاتنا واقتصاداتنا قادرة على التعامل مع هذه الازمة والازمات التي قد تطرأ مستقبلاً..