نوبات نفطيَّة

آراء 2020/04/02
...

ساطع راجي
 

يتكرر هبوط أسعار النفط المفاجئ بما يشبه النوبات لبعض الامراض، هذا التكرار لم تتعلم أي شيء منه دولتنا المعتمدة على النفط بعد الله سبحانه وتعالى في بنائها الاقتصادي منذ سبعينيات القرن الماضي، لم يكن تصاعد اسعار النفط خيراً في يوم ما لأنه ثروة بلا عمل تؤدي اما الى الحرب او امراض التخمة وهي ثروة غير مستقرة تعلمنا على الانفاق ثم تختفي في لحظة ما فلا نجد ما ننفقه، والدولة التي تعتمد على النفط في اقتصادها إنما تعيش تحت ما يشبه لعبة قمار. لم نفهم، مجتمعاً ودولة، معنى الصفعة القوية التي تم توجيهها لنا في تسعينيات القرن الماضي عندما استغنى العالم عن نفطنا الذي صار مجرد بضاعة غير شرعية يتم تداولها في الاسواق السخيفة وبأسعار بخسة لتدوير عجلة النظام على ظهر المواطنين لا أكثر، فما ان سمح العالم بتصدير نفطنا في اتفاق النفط مقابل الغذاء حتى تراجع الدعم للصناعة والزراعة المحليتين وبدلاً من استثمار العائدات الجديدة في تطويرهما تم اغراق السوق بسلع رديئة وازداد الامر سوءاً بعد 2003. لقد قيل الكثير في هجاء الاقتصاد النفطي لكن ظلت عيوننا وقلوبنا معلقة بالعبارة الباذخة «دولة نفطية» وهي عبارة مزيفة فالدول المترفة في جوارنا لا تعيش الترف فقط لأنها نفطية بل لأنها دول استثنائية في وجودها حيث ان عدد سكان معظمها كان ولسنوات طويلة أقل بكثير من عدد براميل النفط التي تنتجها يومياً، والشيء الأهم انها استثمرت بشكل ثابت نسبة من ايراداتها في قطاعات غير نفطية خارج حدودها وتحديداً في بلدان الاستهلاك النفطي فبقيت في دائرة الاقتصاد العالمي، مع ملاحظة أمر أساسي هو وجود علاقة متميزة بالمنتج والمستهلك الاكبر للنفط في العالم، الولايات المتحدة التي تنتج يومياً ما يزيد على الـ15 مليون برميل  وتستهلك أكثر من 20 مليون برميل كل يوم، بينما العراق أصر منذ عقود على منهج المشاكسة مع هذا الفاعل الرئيس في السوق النفطية حتى انه صك شعار «نفط العرب للعرب» وظل يردده حتى قال لنا العالم يوماً ما خذوا نفطكم واشربوه عبر قرارات الحصار الاقتصادي بعد اجتياح الكويت، ولنتذكر ان هذا الاجتياح الاجرامي كان تقلبات السوق النفطية كما يحدث الآن مع قرار السعودية بزيادة الانتاج وانكماش الاقتصاد العالمي بسبب وباء كورونا علماً ان كل المؤشرات قبل الزيادة والوباء كانت تقول ان الاقتصاد العراقي ينزلق نحو أزمة خانقة. ما لا يريد صانع القرار في العراق مواجهته منذ عقود هو ان شعباً تعداده عشرات الملايين وفي زيادة سكانية مستمرة لا يمكن ان يعيش دون ان ينتج شيئاً او على الاقل ينتج غذاءه بل يصر صانع القرار على اتباع منهج اقتصاد «البسطية» التي ينفق صاحبها كل مايحصل عليه يوماً بيوم فإذا عجز عن الذهاب للسوق يوماً واحداً صارت حياته على المحك، ولذلك فإن الاقتصاد العراقي لم يتحمل انخفاض أسعار النفط لشهر واحد ودخل الانذار «ج» وكأن مؤسسات الدولة لم تتلق سابقاً تحذيرات وتنبيهات من خبراء عراقيين ومنظمات دولية تؤكد سوء العاقبة في حال استمر إخضاع القرارات الاقتصادية للاهواء السياسيَّة.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ