نصائح لكبار السّن

بانوراما 2020/04/02
...

ترجمة: أنيس الصفار *
كانت تعلم أنّها فكرة سيئة وأنّ ابنتها لن تتقبلها، رغم ذلك خرجت "باربارا فيك فوكس"، 79 عاماً، إلى أربعة مخازن للتسوق في برنستون لشراء أغذية معلبة ومناشف ورقية وفاكهة طازجة وشيئاً من اللبن المخثر ومواد أخرى. تسوّغ فوكس تصرفها فتقول إنّها وجدت نفسها تعيش حالة من الهلع، وتقرّ بأنّ خوفاً ممضاً أخذ يسيطر عليها،وحافزاًيحثها على الحركة لم تجد له تفسيراً، كلّ ذلك بسبب جائحة فيروس كورونا.
على مدى أسابيع كانت "سوزانا فوكس"، ابنة باربارا، تحذّر أمّها التي تتمتع بصحة ممتازة نادرة المثال لدى من هم في مثل عمرها بضرورة البقاء داخل المنزل قدر الإمكان، وتحديد احتكاكها بالآخرين، فكلّ شخص بلغ الخامسة والستين أو تعداها مرشح بقوة للإصابة بمضاعفات وباء "كوفيد-19"، لذا ينبغي عليه التقيّد بتلكالإرشادات التي يوصي بها "مركز مكافحة الأمراض والوقاية".
تقول سوزانا، التي تعمل مستشارة لشركات متخصصة بالتكنولوجيا والرعاية الصحية: "ذات مرّة عندما كنت أشدد على والدتي بضرورة تحديد نشاطاتها، أجابتني بتحدّ قائلة إنّها سوف تموت حتماً ذات يوم، فأجبتها إنّ هذه حقيقة ولكن لا تستعجلي الأمر." ترى هل حقاً أنّكل الاحتياطات الوقائية، مثل تلك التي يوصي بها "مركز مكافحة الأمراض والوقاية"، ملزمة بالفعل حتى في المناطق التي لا يبدو أنّ فيروس كورونا المتجدد قدِ اجتاحها بشدة بعد؟ وما هو واقع الحال بالنسبة للكبار الذين بلغوا الستينيات أو السبعينيات من أعمارهم ولكنهم لا يشكون من علّة أو مرض؟ هل على هؤلاء أيضاً أن يقلقوا إذا ما فكروا في الخروج إلى محلات التجهيزات الغذائية للتسوق أو إلى الصيدلية أو لزيارة صديق مقرّب وتناول الغداء معه؟ هل حقاً أنّ أيّ نشاط خارج المنزل فكرة سيئة ينبغي العدول عنها؟
توجهت بهذه الأسئلة إلى عدد من الأطباء المتخصصين بطبّ الشيخوخة وطلبت مشورتهم، فأخبروني جميعاً أنّ كلّ التوصيات والتحذيرات التي يعممونها على الملأ يمكن أن تنقلب رأساً على عقب أمام أيّاختلاف طارئ خارج عن الحسابات.
لذلك إليك ما يعتقد هؤلاء المتخصصون أنّه السلوك المعقول تحت الظروف الحالية، والأسباب التي تدعوهم إلى هذا الاعتقاد.
 
تعرف على واقع الاحتمالات
التحذيرات التي تعمّم حالياً مستمدة أصلاً من البيانات التي وردت إلينا من الصين، إذ أفادت التقارير أنّ نحو 80 بالمئة من الوفيات بسبب مرض "كوفيد-19" قد وقعت بين أشخاص في الستينيات من أعمارهم أو أكبر.
تشير أحدث البيانات الواردة من "مركز مكافحة الأمراض والوقاية" أنّ الأشخاص بعمر 65 عاماً أو أكبر هم الذين يتلقون الثقل الأصعب، بيد أنّ الذين بعمر 85 أو أكثر هم الأسوأ عاقبة على الإطلاق.
تشير التقارير الواردة من الصين والولايات المتحدة وبلدان أخرى أنّ الأشخاص الذين يعانون من علل مزمنة، مثل أمراض القلب والسكر والكلة أو أمراض الرئة، وكذلك من لديهم ضعف في أجهزة المناعة، هم المرجحون أكثر من سواهم لبلوغ المراحل الحرجة من المرض، وحتى الموت، إذا ما انتقلت إليهم العدوى. لذا ينصح "مركز مكافحة الأمراض والوقاية" هؤلاء الأشخاص بعدم مغادرة منازلهم والتمسك بأقصى درجات الاحتياط والحذر.
الأمر الذي لم نتيقن منه بعد هو التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالحالة الصحية لدى المسنين الذين انتهوا بالوفاة جراء فيروس "كوفيد-19" في الصين. 
تقول "كارلا بيريسينوتو"، مساعدة مدير برامج طب الشيخوخة السريري في جامعة كاليفورنيا: "هذه المعلومات لم تصل إلينا بعد."
نتيجة لذلكتبقى هناك أمور كثيرة غير مؤكدة تحيط بطبيعة الخطر وحجم المجازفة المتوقعة. غير أنّالشيء الواضح هو أنّ أجهزة المناعة تكون أقل نشاطاً لدى المسنين وأضعف قدرة على شنّ هجوم وقائي مضاد عند الإصابة بالفيروس.
 
التزام الحذر
عدم الوضوح يشمل أيضاً مدى سرعة انتشار فيروس كورونا في المجتمعات المختلفة داخل البلد الواحد، لأنّ وسائل الفحص والاختبار لا تزال محدودة (ملاحظة: بعض الملاحظات في هذه المقالة تخصّ المجتمع الأميركي أكثر من سواه– المترجم). 
بعض الناس لا تظهر عليهم أيّة أعراض، وبعضهم الآخر يصابون بالمرض ولكنّهم لا يعلمون بذلك إلّا عندما تبدأ الأعراض بالظهور. كلتا هاتين المجموعتين قادرة على نقل الفيروس من دون أن تدري، إذ إنّ الفيروس يستطيع الحفاظ على فعاليته فوق السطوح، مثل مقابض الأبواب أو رفوف المحلات، لمدة تصل إلى 72 ساعة.
كذلك لا تتوفر معلومات كافية بشأن النطاق الذي يمكن أن يصل إليه الفيروس في انتشاره منطلقاً من نقطة مركزية معينة، لذا ينصح بالتزام الحذر.
تبلغ والدة "مايكل واسرمان" من العمر 82 عاماً، واسمها فيرن. سألت السيدة واسرمان ولدَها إنْ كان بوسعها الذهاب إلى الصيدلية لصرف وصفة طبية معها؟ أجابها على الفور: "كلا! آخر شيء يسمح لك بأن تفعليه هو الذهاب إلى الصيدلية أو عيادة طبيب لأنّ كلّ منْسيكون بجانبك هناك مصاب بمرض ما." سألته عن إمكانية خروجها إلى دكان البقال فكان جوابه كلا، ونصحها بأن تكلّف من يأتيها بما تريد إلى بابها.
بيد أنّ مايكل نفسه، الذي يبلغ من العمر60  عاماً ويمارس أنواعاً مختلفة من التمارين الرياضية، لا يفرض على نفسه قيوداً بنفس الصرامة. فعند سؤاله: "هل يخرج للتمشي؟" أجاب على الفور: "أجل، فأنا لا أزال ضمن المنطقة الرمادية، ولكن ينبغي عليّ الحذر رغم هذا."
 
انتبه لصحتك
واسرمان ليس الوحيد الذي يؤمن باستثناءات من هذا النوع.
يقول "جون مورلي"، وهو بروفيسور في طبّ الشيخوخة من كلية الطب بجامعة "سان لويس" إنّ ما يحاول الأطباء قوله هو أن تتحقق جيداً من متانة وضعك الصحي حين تحاول تقييم مستوى المجازفة التي يمكن أن تتعرض لها. بعد ذلك يمضي البروفيسور مورلي معدداً بعض الأسئلة التي ينبغي أن يطرحها كبار السن على أنفسهم: "السؤال الأول يتعلق بالتعب، هل تشعر بتعب مستمر لايزول؟ الثاني يتعلق بالقدرة على التحمل، هل تستطيع صعود السلم وإكماله إلى آخره؟ الثالث يتعلق بطول النفس، هل تستطيع أن تقطع المسافة ما بين شارع فرعي والذي يليه؟ الرابع يتعلق بالأمراض والعلل،فإن كنت تعاني من خمس أو أكثر فهذا سيّئ. السؤال الخامس يتعلق بفقدان الوزن، إن كنت كذلك فهذه ليست بالبشارة الحسنة." 
إذا كان الجواب هو نعم على ثلاثة من هذه الأسئلة، أو أكثر، فإنّ البرفيسور يدعوك بقوة إلى عزل نفسك ذاتياً.
حتى لو كان الجواب بالإيجاب على سؤال واحد فقط توجب عليك الاحتياط.
يقول "وليم ديل" مدير مركز أبحاث السرطان والشيخوخة في مدينة هوب بكاليفورنيا: "أقول للناس دائماً إنّ الأمر يتعلق أساساً بالسلامة الصحيّة لا بالسن.لكن حتى الأصحاء من مختلف الأعمار يمرضون، لذا أعتقد بأمانة أنّ على كلّ منّا تحسّس وضعه الشخصي، ثمّ يحدّد إن كانت لديه أسباب للقلق."
 
قدّر حجم المجازفة
على كبار السّنّبالطبع مراعاة التوجيهات التي تصدرها الدولة والجهات الصحية والحكومات المحلية، ولكن حتى هذه التوجيهات تتفاوت بين منطقة وأخرى، وهذا يزيد الناس ارتباكاً وتشوشاً. تقول بيريسينوتو: "لا أعتقد أن بالإمكان تبسيط الأمر بعبارة نشمل بها المسنين جميعاً من دون استثناء تقول"لا تغادر منزلك"،لأنّ العلاقات الاجتماعية تبقى لها أهميتها الكبيرة، فإنّكنت فوق الستين وبصحة جيدة، وكنت تمتلك الحرص والوعي والحذر بشأن نظافة اليدين والانتباه إلى المحيط من حولك فإنّ باستطاعتك ممارسة بعض نشاطاتك المعتادة مثل التمشي أو زيارة أحد الجيران (مع المحافظة على مسافة آمنة يقدرها مركز مكافحة الامراض والوقاية بنحو ستة أقدام)." 
تطرح "ليسلي كيرنسان"، وهي طبيبة متخصصة بالشيخوخةولها موقع استشاري في هذا المجال على شبكة الإنترنيت، عدداً من الاقتراحات المحددة المفيدة. تقول إنّك إذا ما خرجت للتسوق فالبس على يديك قفازات من قماش لأنّ الفيروسات لا تحسن البقاء على الأسطح الناعمة، وحاول أيضاً تجنّب استخدام هاتفك النقال حين تكون في الخارج لأنّ سطح الهاتف من البلاستيك الصلب الأملس ومثل هذه السطوح يسهل تلوثها، كما تقول كيرنسان.
تمضي كيرنسان فتوصي بعدم القلق إذا ما وجدت والدك أو والدتك المسنين لا يطيعان التعليمات بالحرف والدقة،تقول: "لا تسمعهما محاضرة، بدلاً من ذلك تحدث معهما وحاول أن تتعرف على شعورهماحيال فيروس كورونا، ماذا يعرفان عنه وما هي خططهما في مواجهتهفهذا أفضل." 
جوديث غراهام/عن صحيفة واشنطن بوست