أخطر ما قيل بشأن جائحة "كورونا"، هو التفسير العلمي لما سمي بمناعة القطيع، حيث يترك للوباء أن ينتشر فينجو منه الأصحاء بعد اكتساب المناعة، ويترك الضعفاء جسديا، كما هم كبار السن ليواجهوا الموت،
حيث يهاجم هذا الفيروس الخلايا ثنائية الشفرة" بحسب أحد المختصين" وهي الخلايا التي يبدأ الجسم البشري بتشكيلها بعد عمر ستين سنة، ما يعني ان اثبات صحة نظرية" الفيروس المصنع" تستدعي وبالضرورة الوقوف على حقيقة وضع حد لعمر الانسان بعد الستين. وهذا الطرح قد لا يجد قبولا لدى الكثيرين، لأنه يحتاج لمن يثبت صحته علميا، في وقت تحتكر فيه المراكز البحثيّة التابعة للشركات، التي تحكم العالم علوم التقانات الاحيائيّة واقتصاديات المعرفة وعلوم النانو، ما يجعل الخوض فيه عرضة لتهمة الهوس بنظرية المؤامرة لدى المتصدين للمنهج العقلي.
ولكن ثمة أسئلة كثيرة تبقى عالقة بشأن" مناعة القطيع" فما جدوى المناعة، ما دامت الأجساد القويّة تنجو من المرض تلقائيا؟ وما الداعي لتوديع الأحبة؟، بحسب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي ادعى في ما بعد" ظهور أعراض المرض عليه مع وزير الصحة في حكومته"، في وقت لم تتخذ الحكومة البريطانيّة قرارا بوقف الاعمال واغلاق المدارس حتى وقت متأخر، وهو أمر تكرر بأميركا وعموم البلدان الأوروبيّة، بينما تنقل مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة" تحدي الكورونا" بين شباب هذه الدول وهم يمارسون لعق أماكن التلوث، وهنا ينبغي التأمل كثيرا بشأن تصاعد أرقام الاصابات والوفيّات، وهي تشير الى اتساع مساحة الوباء في هذه البلدان المتطورة! وكأننا ازاء تمهيد وتدجين للعقل الجمعي بهدف التسليم بحقيقة مناعة القطيع في هذه المجتمعات، مع تصاعد وتيرة التقارير التي تتحدث عن قدرة هذا الفيروس على تطوير نفسه، ليكون مربط الفرس عند تصريح رئيس منظمة الصحة العالميّة، الذي حذر أفريقيا من دون مسوغ علمي، بوصفها ممثلة للبلدان الفقيرة، أن تستعد للأسوأ، بينما تشير تقارير الى امكانية هذا الفيروس في تطوير نفسه، وهنا ينبغي أن نستدعي ما طرحه الدكتور مظهر محمد صالح في مقال حمل عنوان" المالتوسية والفائض الاقتصادي العالمي" ان" كورونا هي شرارة الحرب المالتوسية الجديدة وولادة العالم الصناعي المركزي الاحادي الجديد والتوجه نحو قومية الاقتصاد للدولة العظمى المنتصرة في الحرب الثالثة" التي تمثلها الجائحة.
ومالتوس هذا اقتصادي انكليزي، مختص بعلم السكان، فسر ظاهرة تنامي الفقر ومشكلاته في العالم بتزايد أعداد السكان وفق متوالية هندسيّة (1، 2، 4، 8، 16، 32... إلخ) تفوق معدلات نمو المحاصيل الزراعيّة، وفقا لمتوالية حسابيّة (1، 2، 3، 4، 5، 6... إلخ)، ما يجعل سكان العالم يتضاعفون كل 25 سنة حيال محدوديّة الموارد، ما لم يقف عائق أمام هذا النمو من قبيل حدوث الكوارث والأوبئة والمجاعات والحروب وتنظيم النسل، وبالتالي فان استمرار زيادة السكان يتطلب التحكم في وتيرة التكاثر بما يتوافق مع إنتاج الغذاء بحسب مالتوس، وبخلافه فإن قوانين الطبيعة ستفعل فعلها لإعادة التوازن، عبر تفشي الأمراض والمجاعات والحروب، وعلى هذا يطالب مالتوس بوقف دعم الحكومات للفقراء على اعتبار ان الدعم يمثل السبب الرئيس في" المأساة" التي يعيشها هؤلاء، اذ يشجعهم على الاستمرار في التكاثر وتزايد حدة المشكلة، بدلا من حلحلتها.
ليكون الرابط بين ما جاء به مالتوس بعد أن اكتسبت البلدان المتطورة مناعة القطيع وجيلا جديدا من" كورونا" أكثر فتكا بالبلدان الفقيرة، وما ألمح له مدير عام منظمة الصحة العالميّة، لتتجلى صور ما بعد" كورونا" لأبعد من هدف اعادة تشكيل خريطة التجارة العالميّة وتوزيع الأسواق وهيمنة الشركات، التي تحكم العالم بعد ضرب الاقتصاديّات الناشئة القائمة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن القطيعة الثقافيّة في دول الشرق بين الأجيال الجديدة وموروثها الثقافي بعد تكرار التساؤل بشأن ما تسبب من هدر في الانفاق على آلاف المساجد" التي باتت خالية حين الجائحة" من دون الانفاق على البحث العلمي وبناء المشافي، لينذر الأمر بملامح حرب مالتوسيّة كما وصفها صالح، للحد من النمو السكاني في الشرائح المجتمعيّة الفقيرة، مرورا بكساد اقتصادي عالمي، ستعقبه حالة من الرواج والانتعاش بحسب ما تشير اليه نظرية الدورة الاقتصاديّة، التي يمكن فيها احتساب تقلبات الدورة الاقتصاديّة إلى حد كبير عن طريق الصدمات الحقيقيَّة.