ربَّ ضارة!

آراء 2020/04/03
...

عباس الصباغ
 
بعد أنْ استحالت وسائل التواصل الاجتماعي الى وسائل للتباعد والتناشز الاجتماعي، بفعل الثورات الاعلاميّة والتواصليّة والرقميّة المتواصلة والتعاطي معها بإفراط، ما ادى الى تفكك الأواصر الأسريّة بين أفراد الأسرة بينها وبين المجتمع ككل، واضمحلّت اواصر القربى والتوادّ والتقارب بين ذوي الأرحام وانهارت منظومة العلائق والوشائج الاجتماعيّة التواصليّة الحقيقيّة المتعارف عليها بين الناس، فضلا عن البيت الواحد فتشّتت اللُحمة الانسانيّة بين مكونات النسيج المجتمعي ككل، واصبحت منظومة الأسر داخل المجتمع الواحد كأنها مجموعة من الجزر العائمة في المحيط لايربطها اي رابط، والادهى من كل ذلك اسهمت فورة وسائل التواصل الاجتماعي بانعزال افراد الأسرة بعضهم عن البعض الاخر، حتى بين الازواج الذين تفشّت فيهم بدعة الطلاق المتسرع، لاسيما بين الشباب المتزوجين حديثا ما سبّب في حدوث شروخ وندوب في جسد الأسرة، فدعت الحاجة الماسّة الى التآلف والترابط الأسري والاجتماعي من جديد لتعود تلك التوصيفات التي تليق بالمجتمع الانساني الى سابق عهدها، فضلا عن الاسرة وذلك بالعودة الى الطبيعة الانسانيّة النقيّة ومن دون رتوش تواصليّة مصطنعة، فجاء حظر التجوال القسري على خلفية وباء "كورونا" ليحقق جزءاً من تلك الأمنيّة، وان كانت باهظة الثمن ومؤسفة.
ورغم قساوة تجربة حظر التجوال القسري لعموم المواطنين وفي جميع مناطق البلاد أسوة بالتجربة المفروضة في العالم للسبب ذاته من اجل تطويق انتشار هذا الوباء الجائح، فإنَّ بعض الباحثين التربويين والسايكولوجيين وخبراء الأسرة، يرون أنَّ في هذا الحظر القاسي أكثر من فائدة قد تعود بالنفع للأسرة العراقيّة وبعد ان اضطر جميع افراد الأسرة وضمن هذه التجربة الجديدة على واقع هذه الاسرة وغير المألوفة سابقا ..اضطروا الى المكوث الاجباري داخل البيت وسط اجراءات أمنيّة وصحيّة، مشددة جدا على عدم الخروج او التواجد في خارج البيت وحسب توصيات منظمة الصحة العالميّة بذلك، لكون هذا الاجراء هو من ضمن اجراءات الوقاية الناجعة والمجرّبة للحد من انتشار العدوى، التي تحدث بالاختلاط والتجمع لأي سبب كان وفي اي مكان يكون، وقد نجحت الصين في احتواء انتشار عدوى هذا الوباء بإجراء حظر قاسٍ للتجوال وقد اثبت نجاحا منقطع النظير، وذات الآلية هي متبعة اليوم في عموم البلدان، التي ثبُت وجود هذا المرض فيها وبأي نسبة كانت ومنها العراق (حفظ الله العراق وشعبه من شره).
 ولأول مرة ربما وبعد سنين من التعاطي المفرط مع وسائل "التواصل/ التفكك" الاجتماعي وبعد أنْ صارت تلك الحميميّة، التي وصفت بها الأسرة العراقيّة جزءا من الماضي (الجميل) او من ذكريات (جيل الطيبين) اصبح بمقدور الاسرة العراقيّة اليوم ان تستثمر ايام الحظر العجاف والقاسية والمليئة بالترقّب والخوف وشح الارزاق، لتحقيق الحلم الذي ظل يراود الكثير من العراقيين في تحقيق الحد الادنى من الانسجام التواصلي الأسري الحقيقي بتواجد رب الاسرة مع اعضاء اسرته التي عملت وسائل التواصل الاجتماعي في تغييب بعضهم عن البعض الاخر وهم تحت سقف واحد ولكن قلوبهم شتى.