باي باي سيد {كورونا}

آراء 2020/04/03
...

مالك مسلماوي
 
ما انْ تنفس العالم الصعداء من تفاقم خطر "داعش" حتى وجد نفسه أمام خطرٍ أشدّ يهدد العالم قاطبة.. هو وباءٌ جديدٌ ناتجٌ عن فيروس أطلقت عليه تسمية "كورونا" ليس لأحد فكرة سابقة عنه وعن أسبابه وظروف تكوينه,
 المعروف فقط إنَّ مصدره وبؤرة انطلاقه هي مدينة "يوهان" الصينيَّة, ومنها انتشر بسرعة البرق الى أرجاء الكوكب، ليترك حالة من الهلع غير المسبوق لدى الشعوب قاطبة, الغنية والمتقدمة قبل الشعوب الفقيرة والمتخلفة التي لا حول لها ولا قوة على مواجهة أي خطر مهما كانت قوته بسبب أوضاعها الاقتصاديَّة والسياسيَّة وضعف إرادتها على المواجهة.
حملة استنفار عالميَّة ضد هذا الخطر الجديد الذي يغزو العالم في مستهل القرن الجديد, حملة بل حملات وحملات تشترك فيها كل الفعاليّات الاجتماعيّة والمؤسساتيّة و التوعويّة المستمرة بمرافقة حملات إعلاميّة على أعلى المستويات وعلى مدار الوقت وبجميع وسائل الإعلام المقروء والمنظور والمسموع، والشيء المؤكد أنَّ العالم سيتخطى هذه المرحلة بنجاح كما تخطى كثيراً من الأزمات والكوارث, ويصبح "كورونا" في خبر كان.
والحقيقة نادراً ما يتوحد الرأي العام العالمي كما توحد الآن.. ومع الاعتقاد بجسامة الخطر من هذا الوباء، إلا أنَّ الناس انقسموا على فئتين في النظر إليه, فئةٌ تعتقد أنها مرحلة دخول الحرب البيولوجيَّة بين الدول الكبرى في صراعها المستعر، من أجل مصالحها كمرحلة جديدة الى جانب الحروب التقليديّة في أماكن متعددة من العالم، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط، وفئة أخرى لا تذهب الى هذا التوصيف، إنما تعده مرضاً له أسبابه الواقعيّة، كالكوليرا والطاعون وباقي الأوبئة، وتبقى القضيَّة غير محسومة مع أنَّ الفئة القائلة بالحرب البيولوجيّة السريّة، لا تقدم الدليل الداعم لوجهة نظرها غير ما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي أو ما يقترح بعض المحللين. إنَّ أصحاب هذا الرأي الأخير يرجحون أنَّ الفيروس ولد في مختبرات إحدى الدول الكبرى لأنهاك دولة أو دولٌ منافسة اقتصاديّا.. وعلى رأي موازٍ آخر إنَّ الفيروس تم تصنيعه في دولة كسلاح ستراتيجي لمواجهة أي عدوان محتمل، لكن هذا "السلاح" خرج عن السيطرة وأصاب الأيدي التي خلقته، إذ "انقلب السحر على الساحر" كما في المثل العربي، ويكاد ينحصر الظن بين دولتين: الولايات المتحدة الأميركيّة وجمهورية الصين.
 ويبقى الأمر متأرجحاً بين هذا وذاك، إلا أنَّ العالم له تجارب كثيرة مع أوبئة كثيرة، فتكت بكثيرٍ من البشر على مدى حقب طويلة، كالكوليرا والطاعون والايدز قديماً وانفلونزا الخنازير والطيور ومرض الايبولا حديثاً، والأهم من البحث في مرجعية المرض هو النتائج المتوقعة من تفشي الوباء ووسائل مجابهته، كونه وباءً مخيفاً وسريع الانتشار, الأمر الذي يثير حالة من الهلع والارتباك لدى الناس في مختلف بقاع العالم، ومنها بلداننا العربيّة والعراق على وجه خاص، إذ يأتي الوباء والبلد يعاني من أزمات ومشكلات سياسيّة واقتصاديّة خانقة, فعدم الاستقرار والفوضى السياسية يجعلاننا نخشى من تفاقم الازمات وزيادة الطين بلة.
لقد اخترت عنوان المقال هذا بقصدية, للإيحاء بأنَّ الوباء في طريقه الى التلاشي, والايحاء هنا قد لا يستند الى دليل، لكن الهدف هو رسالة تطمين وارتياح تقتل حالة القلق والذعر لدى المتلقي, وتلك بحد ذاتها مرحلة مهمة في مقاومة المرض، فما أردت أنْ ألفتَ إليه النظر في هذه الوقفة, هو دور الإعلام في هذه المرحلة في الاسهام في تعزيز القدرة على مواجهة الوباء, فللإعلام دورٌ كبيرٌ في توجيه الناس واطلاعهم على طرق الوقاية الصحيحة و ما عليهم القيام به يوميا للحد من تمكن الوباء منهم، و يأتي دور الاعلام– من ناحية الاهميّة - بعد الاجراءات التي توصي بها الجهات الصحيّة او موازيا لها، الا ان الامر الذي يكتسب الاهميّة البالغة في هذا الظرف في ما يخص النشاط الاعلامي هو الابتعاد عن التهويل و نشر الرعب في نفوس الناس كما يحصل الآن، الضغط الاعلامي بهذا الاتجاه و اغراق الوقت كله بالحديث عن الوباء و تجاهل شؤون الحياة اليوميّة الاخرى، يأتي بنتائج سلبية قد تخفى على كثير من المؤسسات الاعلاميّة، ان هذا الضغط المستمر يؤدي الى اضعاف إرادة المواطن على المواجهة وزعزعة الثقة في قدرة المؤسسة الرسميّة والإجراءات المتخذة في إنقاذ الشعب.
على الإعلام الرسمي والطوعي أنْ يدعمَ الجانبَ النفسي للمواطن وتقوية الروح المعنويّة, ويعزز ثقة الفرد بنفسه وبالمؤسسة الصحيّة، نحن نعلم أنَّ مؤسساتنا تفتقر الى الكثير من الأمور اللوجستيّة والبنى التحتيّة الصالحة لهزيمة أي وباء, لكنَّ التأكيد على هذه الحقيقة في هذا الوقت والوباء يتخطى العتبات، شتم الحكومة لتقصيرها ليس حلاً, إنما نؤجل ذلك, مع الاستمرار على حث الحكومة على استنفار طاقاتها لتحجيم المرض والقيام بواجباتها كاملة.
أريد أنْ أقول: إنَّ تعزيز الجانب النفسي لدى المواطنين وتبديد حالة القلق لديهم والعمل على تحقيق استقرارهم النفسي والوجداني, وكل ما يقوي لديهم الجهاز المناعي ويساعد حتى المصابين على الشفاء. فمناعة الجسد تعتمد الى حدٍ كبير على توازن حالته النفسيّة وثقته بقدرته على التغلب على المرض مهما كانت درجة خطورته، الغالبيَّة من الناس تؤمن بقدرة العلم على حماية الإنسان, والكثير الكثير لهم الإيمان المطلق بربٍ رحيمٍ يُنجيهم من السوء, فهم على أعلى درجة من الاطمئنان على مصيرهم، لكنَّ الخوف على ذلك من إشاعة الذعر والاضطراب الذي ينتج عن مضاعفات غير محسوبة من حراك المؤسسات الإعلاميّة على مدار 
الساعة.