إغلاق الحدود يهددُ إمدادات أوروبا من الغذاء

بانوراما 2020/04/03
...

مايكل برنباوم وكوينتين أرييس/ عن صحيفة واشنطن بوست  ترجمة/ أنيس الصفار
 
ينظر المزارعون الأوروبيون الى حقولهم ويعتريهم القلق، فإذا كان الناس سيلزمون بيوتهم.. وبلدانهم.. فإنَّ المحاصيل قد تذبل على فروعها هذه السنة. في كل مكان من أوروبا الغربيَّة تعتمدُ المزارع اعتماداً شديداً على الأوروبيين الشرقيين الذين يشدون الرحال من بلدانهم ويأتون للعمل خلال مواسم نمو النباتات. ولكنْ بوضع الإغلاق الشامل موضع التنفيذ في تزامنٍ مع يقظة الحياة في المزارع بعد سبات الشتاء قد يبدأ الهليون الألماني بالتعفن في الحقول وتعاني الفراولة الفرنسيَّة من غياب الأيدي التي ترعاها.
 

تعلنُ الدول الأوروبيَّة أنَّ لديها ما يكفي من الغذاء الآن، ولكنْ ثمة قلق بشأن ما يمكن أنْ يحدث إذا ما امتدت الأزمة حتى مجيء موسم الزراعة الجديد، كذلك تنتاب الأوروبيين مخاوف بشأن مستويات معيشة مزارعيهم.
بعض الدول تحاول استنفار مواطنيها للخروج الى الحقول، حتى أولئك الذين لا تتسخ أظافرهم حين يعملون في وظائفهم المعتادة. القادة الألمان أعدوا قاعدة بيانات واسعة في محاولة لتشجيع الطلبة والمعلمين على إنقاذ محصول الهليون الذي يبدأ بالظهور في الأسواق عادة مع حلول النصف الثاني من شهر نيسان. والقادة الفرنسيون أخذوا يناشدون سكان المدن الذين منحوا إجازة للبقاء في بيوتهم بالتوجه الى الأرياف.
في الأسبوع الماضي قال وزير الزراعة الفرنسي "ديدييه ويليام": "العمل في الحقول أمرٌ لا بدَّ منه، وهذا يعني وجود حاجة الى الأيدي العاملة.. إنَّ هناك حاجة للتضامن الوطني كي نجد جميعاً ما نأكله".
مضى الوزير موضحاً أنَّ المزارع الفرنسيَّة قد فقدت 200 ألف عامل، وطلب من عمال المطاعم وموظفي الاستقبال في الفنادق وعمال صالونات تصفيف الشعر، وكل من لم يعد لديه نشاط يؤديه، أنْ يبادروا الى تسجيل أسمائهم للعمل في المزارع، واصفاً إياهم بأنهم "الجيش الظل".
في الظروف العادية كان بوسع العمال عبور الحدود في الاتحاد الأوروبي ذهاباً وإياباً حتى من دون أنْ ينظر أحدٌ في جوازات سفرهم، وكان باستطاعة المدنيين العمل في أي بلد يشاؤون من بلدان الاتحاد الأوروبي من دون حاجة للحصول على ترخيص. ثم جاء زمن الكورونا فإذا بالدولة القومية تستعيد معناها فجأة. معظم دول الاتحاد الأوروبي طلبت من مواطنيها البقاء في منازلهم، وعادت الى العمل نقاط التفتيش الحدوديَّة وصار القادمون يمنعون من دخول مناطق كثيرة ما لم يكونوا مقيمين فيها.
يقول خبراء الغذاء وصناع السياسة إنَّ التحديات الماثلة التي تعترض وصول إمدادات الغذاء لا تتعلق بزراعة المحاصيل الغذائية بالمقام الأول، بل بالموانع التي تجعل من الصعب إيصال المنتجات الى محال البقالة. كذلك يرجح هؤلاء الخبراء أنْ يكون هناك من الغذاء ما يكفي الجميع لهذه السنة على مستوى العالم، حتى لو أصيب الإنتاج بضربة قاصمة في مناطق معينة. بيد أنهم يحذرون من أنَّ القرارات التي يتخذها القادة بشأن إغلاق الحدود وتقييد حرية الحركة قد تنزل بالنظام الهش ضربة تقعده.
في يوم الاثنين الماضي قال "كودونغ يو"، رئيس منظمة الزراعة والغذاء التابعة للأمم المتحدة: "بينما تناضل الدول متصدية لوباء فيروس كورونا عليها ايضاً أنْ تبذلَ كل مسعى ممكن لإبقاء عجلات سلسلة تجهيز الغذاء لديها دائرة. فرض القيود على التجارة أمرٌ لا ضرورة له، فهو يؤذي المنتجين والمستهلكين معاً، عدا هذا أنه يخلق حالة ذعر في الأسواق".
كذلك حثت المفوضية الأوروبيَّة، وهي الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، الدول الاعضاء على معاملة العمال الموسميين باعتبارهم عمالاً يتمتعون بوضع ذي حساسية خاصة. بيد أن المفوضية لا سلطة لديها تتيح لها تجاوز السياسات الخاصة بكل دولة.
في ألمانيا فرضت السلطات حظرا على العمال الموسميين خشية ان يدخلوا معهم فيروس كورونا الى البلد. انعكاسات هذا القرار شعرت بوطأتها مزرعة "أودو هيرتلن" في بافاريا حيث بدأت سيقان نبات الهليون البيضاء تطل في خطوط طويلة من التربة المحروثة عميقاً معلنة مقدم الربيع. تفخر ألمانيا بهليونها الأبيض الغض، وقوائم الاطعمة في المطاعم تفسح حيزاً لأكلات مثل سيقان الهليون مع لحم الخنزير وصلصة هولنديز والزبدة والبطاطس بدءاً من اواخر نيسان حتى حزيران. لكنَّ عمال الحقل الرومانيين، الذين يتولون في العادة حصاد الهليون، لم يعودوا يستطيعون دخول البلد.
يقول هيرتلن انه يستميت في البحث عمن يساعده وينشر الاعلانات لدى اتحادات المزارعين ووكالات التوظيف، التي تقوم بدور الوسيط بين ارباب العمل وطالبي اللجوء أو السكان المحليين العاطلين عن العمل، وحتى على موقع جديد للحكومة الألمانية على شبكة الانترنت.
الموقع المذكور، الذي انطلق في الاسبوع الماضي، اجتذب حتى الآن اكثر من 41 ألف شخص سجلوا أسماءهم، ما بين مزارعين يحاولون تقديم المساعدة وعمال يعرضون خدماتهم. بيد أن وزارة الغذاء والزراعة الألمانية تقدر أن ألمانيا لا تزال تشكو نقصاً في الايدي العاملة حالياً يصل الى 300 ألف عامل زراعي، وما من ضمانة أنه سيكون بالإمكان الحصول على عددٍ كافٍ من العمال في الحقول.
من بين الذين ارسلوا أسماءهم الى الموقع الحكومي طلباً للعمل "وولفغانغ غرابس" وهو من سكان برلين يبلغ من العمر 58 عاماً وكان يكسب رزقه عادة بإيصال الأعمال الفنية الى صالات العرض في المدينة وهي مغلقة الآن.
يقول غرابس: "إنني رجل مرن للغاية، فما دام هناك عمل يطلب من يؤديه لا يهمني ما هو نوعه".
أما هيرتلن فيقول: "ما دام بامكانهم سد الفراغ لمدة شهر او شهرين فإننا سنستأجرهم حتماً". ويضيف أن حصاد الهليون بالإمكان تأخيره لمدة معينة بتغطيته وهو في مكانه بالرقائق المعدنية. ولكن الموسم ينتهي بحلول نهاية حزيران".
في فرنسا تدرج لجنة التوظيف عبر الانترنت التي تدعمها الحكومة ضمن طلباتها سائقي جرارات زراعية وزراع كروم وصانعي جبنة وفارزي جزر وغارسي اشجار وغير ذلك، وجميع الوظائف تحدد موعد المباشرة "بأسرع ما يمكن".
يقول "أوليفييه ديومون"، وهو مزارع من جنوب فرنسا يزرع الخس والخوخ والفراولة وعشرة انواع من المشمش: "لقد عمت الفوضى كل شيء الآن، فأولئك الذين لم يتمكنوا من اكمال معاملاتهم قبل بدء العزل علقوا في بلدانهم." ويضيف أنه لا يزال يعاني من نقص بحدود ربع عدد عماله.
عبر نقطة حدوديَّة أقيمت حديثاً في جنوب بلجيكا يقول "ستيفان لونغلون"، وعمره 52 عاماً ويعمل في زراعة الهليون والطماطم والفراولة: إنَّ أربعة من العمال الحقليين الرومانيين الخمسة الذين استأجرهم لهذا الموسم قد علقوا بسبب مسألة الحدود هذا الشهر وهم لا يزالون في رومانيا. ويضيف أنه كان في العادة يستأجر ستة عمال لموسم القطاف، الذي ابتدأ في الاسبوع الماضي، ولكنه ليس لديه الآن إلا نصف هذا العدد.
يقول لونغلون: "لن أواجه مشكلة في بيع منتجاتي، ولكنَّ مشكلتي الحقيقيَّة هي الحصول على عدد كافٍ من العمال".
بعد إغلاق المطاعم بموجب ضوابط السيطرة على فيروس كورونا قد يكون بإمكان المزارعين الأوروبيين تحويل بعض إنتاجهم الى الأسواق الكبيرة، وهذا سيساعد في تجنب حدوث شح محتمل. بيد أنَّ هذا يتطلب العثور على زبائن جدد بسرعة خاطفة، كما أنَّ المسألة تبقى متوقفة على العمال الحقليين.
يقول صناع السياسة انهم يشعرون ببعض القلق لأنَّ حتى العمال المحليين أخذوا يؤثرون المكوث في منازلهم، أما بسبب المرض أو بسبب الخوف من التقاط عدوى "كوفيد - 19". 
يقول "ويلي بورسوس" نائب رئيس إقليم فالونيا البلجيكي الناطق بالفرنسيَّة الذي يعدُّ أرفع مسؤول هناك للشؤون الزراعيَّة والاقتصاديَّة: "بعض العمال البلجيكيين معتكفون أما بسبب المرض أو لأنهم لا يتمكنون من الحضور الى أماكن عملهم وهؤلاء يشكلون حتى الآن نسبة 15 بالمئة من حجم القوة العاملة في بعض القطاعات".
إيطاليا، التي منيت بأسوأ أزمة صحيَّة، قد تواجه ايضاً أعظم التحديات الزراعيَّة، واتحاد "كلوديريتتي"، الذي يعدُّ أكبر الاتحادات الزراعيَّة، لا ينفك يطلق التحذيرات المتشائمة بشأن الوضع الذي ستؤول إليه المحاصيل الزراعيَّة. يقول الاتحاد إنَّ هناك ما يقارب 370 ألف عامل يسافرون الى إيطاليا كل عام للمساعدة في الزراعة وهم يمثلون نحو ربع القوة العاملة التي تتدفق على الحقول. وقد تدخلت السلطات الإيطاليَّة من أجل السماح للعمال المتواجدين حالياً داخل البلد بالبقاء لفترة أطول، كما خففت بعض الضوابط الأخرى لتمكين أسر العمال الزراعيين من العمل معهم في الحقول.
في تصريح له حذر الاتحاد قائلاً: "التهديد الحقيقي هو أنْ يفقد الاتحاد الأوروبي اكتفاءه الذاتي من الغذاء لهذا العام، وبالتالي يفقد موقعه المتقدم كمصدر رئيس للغذاء".