العزل المنزلي وتأثيره في العلاقة الزوجيَّة

اسرة ومجتمع 2020/04/04
...

بغداد/ سرور العلي/ ذو الفقار يوسف
 

غالباً ما يصاحب الحياة الزوجيَّة الزعل والشجار؛ إذ إنَّ الخلافات في البيت واردة في كثير من الأحيان وتتطلب، لذلك، حلولاً جذريَّة قبل أنْ تتفاقم. ولذلك، يمكن تخطّيها ومعالجتها بسهولة في الظروف الاعتياديَّة. لكنْ في ظلّ الأزمة التي يعيشها العالم من جائحة كورونا، التي فرضت الحجر المنزلي على الجميع، برزت العديد من المشكلات بين الزوجين بسبب بقائهما، معاً، طوال اليوم، لا سيّما أنَّ الأجواء المحيطة بهما كلّها ملبّدة بغيوم القلق والخوف.

وعن ذلك تحدثت الخمسينية، ليلى عبد الله (موظفة): «عزل الأفراد عن ممارسة مختلف المهام اليومية والخروج للأندية والأسواق والمتنزهات والمقاهي والمطاعم، أسهم بترك آثاره السلبية على سلوكهم إذ أصبحوا سريعي الغضب ومكتئبين، والذي زاد الأمر سوءاً هو سماع وتداول الأخبار السيئة عن الأوضاع الصحيّة والاقتصادية للبلد، ما جعل الجميع في حالة تشاؤم مستمر ممّا أدى إلى عدم تحمّل الآخرين».
 
الواجبات المنزليَّة
كما تؤكد فاطمة حسن (45 عاماً): «أنَّ البقاء في المنزل وعدم الخروج للعمل كالمعتاد يسبب صراعات كثيرة بين الزوجين باختلاف الآراء، إذ ينعكس القلق والحالة النفسية على سلوكهما ما يخلق جدالا ونزاعات».
وتضيف: «سيزداد التعب والإرهاق على ربّة البيت لتواجد الزوج والأبناء بشكل دائم في المنزل، لذلك يتطلب القيام بالواجبات المنزلية كالطبخ والتنظيف والتعقيم».
لكن، في المقابل، هناك فرصة جيدة أسهم العزل في خلقها، إذ قد يصلح ما أفسدته الأيام بسبب الضغوطات، فتعود العلاقة إلى المرونة وتنتعش بالحب، ويمكن تقديم الدعم وتعزيز التواصل. تقول الأربعينية، سهاد جواد (موظفة): «إنّ القيام بأنشطة يومية ممتعة كالحوار والقراءة المفيدة، وممارسة الرياضة داخل المنزل والألعاب كالشطرنج والرسم والكتابة من شأنها أن تبعد حدّة التوتّر بين الزوجين لحين انتهاء الأزمة».
 
نكهة خاصة
وللأبناء دورهم في إبعاد المعوقات التي تعترض حياة والديهما، وإعادة الترابط والتفاهم لهما وقضاء أوقات ممتعة معا، إذ تعتقد الشابة ريم رسول (طالبة جامعية): «مشاركة الأبناء الوالدين بعدّة أعمال كتصليح الأثاث القديم، وصنابير المياه والأجهزة الكهربائية، والمشاركة في الطبخ وإحضار الحلوى، له دور كبير في تخفيف القلق والحالة السيئة، وجعل الأسرة تعيش أجواءً من الألفة والمحبة، كما أنّ جلوس جميع أفراد الأسرة حول طاولة الطعام وتناول الوجبة له نكهته الخاصة».
بينما ترى الثلاثينية صبا جاسم (محامية): «أنّ اختلاف آراء وأفكار الزوجين هو ما يدفعهما إلى الصراع والجدال العقيم والنقاشات، أمّا الملل فهو الذي يقودهما أحيانا إلى خلق المشكلات، لا سيّما أنّ مكوثهما تحت سقف واحد، ولمدة أربع وعشرين ساعة، سيكشف عن مشكلات ربّما كانا غافلين عنها».
 
خطط المستقبل
ومع تضامن الكثيرين للحدّ من انتشار الفيروس بالتوعية والالتزام بالإرشادات، غفل آخرون ما هو أهم، وهو الحفاظ على الأسرة، وترك المشاحنات غير المسوغة التي تؤدي إلى انهيار العلاقة الأسرية والزوجية. وقالت منى عمر (35) عاماً: «العزل المنزلي أبعد الكثيرين عن فيروس كورونا، لكنه أثّر بشكل كبير في مزاج الأزواج وعواطفهما، ومن الجيد تفهّم الأزمة ودعم بعضهما بمناقشة خطط المستقبل ومشاهدة البرامج والأفلام الممتعة بعيدا عن الضغوط النفسيَّة».
 
الأخبار السلبيَّة
يؤثر العزل بشكل سلبي في صحة جسم الزوجين، بتغيير عاداتهما اليومية والجلوس لوقت طويل أمام شاشة الحاسوب والهاتف المحمول، وتناولهما كميات كبيرة من الطعام مشبعة بالدهون والسكريات، ما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والضغط، ممّا يؤدي إلى تباعدهما، لذلك تدعو استشارية الأسرة سوسن داوود :» إلى ممارسة الرياضة ومناقشة الكتب، والابتعاد عن الأخبار السلبية التي تثير الرعب، لا سيّما أنّ أغلبها تحتوي معلومات غير صحيحة، وعلى الزوجين تجنب الخلاف المالي نتيجة الاستهلاك اليومي لجميع أفراد الأسرة».
 
التزامات
وتضيف داود: «الأمر لا يتطلب الجلوس معا فقط من دون تواصل ونقاش، إذ ينشغل الأفراد بمواقع التواصل الاجتماعي، بل يجب أن يتم تبادل الأحاديث والاطلاع على شؤون كلّ منهما، ومحاولة الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف».
إضافة إلى أنّ جلوس الرجل في المنزل طيلة أيام الحظر الصحي، جعله يواجه ما تعانيه زوجته كلّ يوم عندما كان منشغلا في العمل، من الاعتناء بالأطفال ومهمة تربيتهم وتعليمهم، إلى قضاء احتياجات المنزل من الطبخ والتنظيف، وذلك يحتّم عليه مشاركتها في هذا العبء، ما يجعله في حالة توتر وعدم التحمل على ما لم يعتدْه، و بالتالي يخلق مشكلات مع زوجته، ويبدأ بالاشتياق للعمل الذي كان منفذه الوحيد من هذه 
الالتزامات.
 
نهاية المَلل
وتنصح استشارية الأسرة، نغم جمال: « بقضاء بعض الأوقات بين الزوجين بمعزل عن الآخر تجنبا لسوء الفهم والضغط، وأن يراعي كلاهما مشاعر الآخر والتعبير بكلمات لطيفة والتحلّي بالهدوء والاحترام والسيطرة على الغضب للحدّ من المشكلات، وعدم إرهاق الزوجة والضغط عليها بالمتطلبات والتقرب من الأبناء ومعرفة احتياجاتهم».
وتضيف الدكتورة جمال: «لا بدَّ من ترك كل منهما يعبر عن رأيه بحرية والاستماع والردّ بأسلوب مهذب، وطلب المغفرة عند الإساءة، إذ تلعب هذه الأمور دوراً في التخلص من مَلل البقاء في المنزل لأطول وقت ممكن.