{أضعفُ خَلْقِه} يُعيدُ ترتيب العالم

آراء 2020/04/04
...

حسن جوان
 

لا ينشغل كثيرٌ من المراقبين بحجم الفوضى والهزائم التي ألحقها اجتياح الوباء مساحات وأنظمة غير متوقعة في العالم حسب، بل بدأت تسخن بدأب ملحوظ طروحات تستقرئ حسابياً مآلات مكائن العالم الاقتصادية والسياسية، وإعادة ترتيب الأدوار ومساحات الهيمنة والهيبة العالمية للأنظمة الدولية. 
ومهما يكن من أمر هذه الفوضى المخطّط لها، أو غير المخطط، فما دامت تمثّل تفاعلاً جائحاً وغير مسيطر عليه، فمن الأفضل التسليم بتداعياته الحتمية القادمة التي لن يسلم منها أحد. عجز الجميع عن السيطرة يجعلهم، بالضرورة، منصاعين لما يترتب على مباغتتها من تهشيم الأنظمة الصحية والاقتصادية والسياسية. 
وإذا كانت الأولوية الحاضرة هو تطويق أعداد الإصابات بالفيروس الذي أثبت شراسته المميتة في قلب أكثر الدول تمتعاً بالأنظمة الصحيّة تقدماً، فإنّ الجائحة المحايثة لهذا الوباء تتمثل في انهيارات قادمة في طبيعة بعض العلاقات الدولية، وتبادل الأمكنة في صدارات اللاعبين التقليديين، فضلا عن إمكان إجراء إدانات ومحاكمات لاحقة لكل تقصير ومصدر وسوء إدارة للأزمات.
على أنّ كلّ هذا سيرافقه إعادة شاملة للتقييمات الإدارية وأداء المؤسسات وللعديد من العلاقات والعادات الاجتماعية والصحية، وكذلك لعلاقات المواطنين بإداراتهم الحاكمة. الوعي والحذر والتشكّك الصحي الشخصي والمجتمعي سيرافقه وعي ومحاسبة شعبية لكل مفهوم أو سلوك أو عقيدة فكرية أو عاطفية لم تصمد أمام جائحة لا تشكل لو استبق القائمون على إدارة الأمور سوى حقيقتها القائلة بأنّها ليست وحشاً بحدّ ذاتها، بل هي "أضعف خلق" لم يكن ليستشري لولا التماهل ونقص الاستعداد العملي لحربه ليكون بعد تغوّله الجسيم في المجتمعات إلى ما يمكن مقارنته من حيث الفداحة بحرب كونية 
ثالثة.
لم نصل بعد إلى مرحلة تبادل التّهم الصريحة إلّا باستثناءات لم يؤخذ بها سياسيا، لسبب أنّ الانشغال بالبقاء حياً هو الأولوية في هذه المرحلة، وهي مرحلة تصاعد الغبار في المعركة الحاضرة. لكن بمجرد انحسار الموجة من منحنى ذروتها القادمة، في غضون الأسابيع القادمة بحسب غالب التقديرات العالمية، سيبدأ التلميح بالكثير من اللوم والقدح وتفتح أفواه الأزمة دفاتر ديونها.
كان العالم، في الفترة القريبة الماضية، محموماً بتوقعات الصدامات والحروب المشتعلة في أماكن عديدة من العالم، منها أعمال حربية مباشرة، ومنها تحديات اقتصادية بلغت مستويات قاسية من العنف، معبرة عنه بالمحاصرة والعقوبات. أتت هذه الحمى من الطبيعة الدولية لقيادات العالم التي لا تمتاز بالهدنة والمرونة السياسية في مراكز صناعات القرار. لكن ما لم يكن متوقعاً هو هذا النوع من حرب اجتياح فيروسي يضعضع الكيانات الدولية، ويضعها أمام هشاشتها المفرطة في مواجهة عدو أقلّ حجما من كونه عدواً وأشرس عدواناً من كونه قاتلاً يطيح
بالعمالقة. 
إذا كان هذا الفيروس المحارب هو من صنع نفسه، وقد وجد فرصته للتحول إلى سيد "عدوّ" للعالم فهذا يمكن التعاطي معه وتطويقه يوما ما على الرغم من فداحة التجربة. لكن إذا كان من صنع قوة تعمدت تحويله إلى قاتل عالمي، فلا سبيل إلى مواجهة تلك القوة الغاشمة وأداتها البايولوجية الفاتكة سوى بتضافر دولي يعيد ترتيب
العالم.