عبد الأمير المجر
في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، وتحديداً في العام 1979 أو 1980 كانت مجلة (الوطن العربي) التي تصدر في باريس، تنشر أسبوعياً مقالاً للشاعر نزار قباني إلى جانب مقال آخر للكاتبة غادة السمان. وقد استوقفني قباني في مقال له ضمن سلسلة مقالاته تلك تحت عنوان (لبنان بلا حيطان). ولأنّ الذي جاء فيه كان مغايرا لما ينبغي أن يقوله (شاعر)، لذا ظلّ عالقاً بذاكرتي حتى اليوم وكأنّي قرأته البارحة!
كان رئيس لبنان وقتذاك إلياس سركيس، الذي كان بلا حول ولا قوة أمام جبروت الميليشيات التي سيطرت على شوارع لبنان وحاراتها، وتقاسمت النفوذ فيها، تاركة الرئيس محاصراً في (قصر بعبدا) يعد الأيام الثقيلة ويستعد للرحيل، رافضاً دعوات التجديد، لشعوره بأنّه ليس رئيساً إلّا على خدم القصر وجنود الحماية! وكان قباني يصف حالته تلك بطريقة شاعرية، ويقول: إنّ سركيس رجل طيب لا يقوى على قتل نملة، وله خصال حميدة كثيرة، لكنّ لبنان لا يحتاج إلى رئيس كهذا، بل يحتاج إلى رئيس له شارب هتلر ولحية فيديل كاسترو وقبضة محمد علي كلاي!! وأنقل هنا ما قاله بالمعنى وليس بالنص. نعم، لقد كان لبنان بحاجة إلى رئيس له تلك المواصفات، لكنه تأخّر كثيرا، فبقي باب البلاد مفتوحا أمام إرييل شارون الذي لم يتأخر في اجتياح لبنان في غفلة أو صحو من المتقاتلين المنشغلين ببعضهم، ليدمر لبنان صيف العامل 1982 ويخرج بعدها إلياس سركيس من قصره تاركا كرسيّه المتهالك بفعل ضربات أمراء الحرب. وحكاية لبنان وحربه الطويلة معروفة للجميع.
عراق اليوم يعيش واقعا مزريا على مختلف المستويات، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، يضاف إلى هذا كلّه، أنّ وحوش داعش ما زالوا على الأبواب، ووباء كورونا الذي حلّ ضيفا مرعبا، وأسعار النفط المتذبذبة بين ارتفاع نسبي وهبوط حادّ، طالما أنّ هذه السلعة باتت في قلب اللعبة الدولية وصراع الأقوياء، لا سيّما على الشرق الأوسط المبتلى، ما يعني أنّ العراقيين اليوم بحاجة إلى نظام سياسي يحمل قدرا عاليا من المتانة تؤهله لإعادة هيبة الدولة التي صادرتها الفوضى ونخرها الفساد، نظام بملامح وطنية واضحة وحكومة لها رئيس واحد وقوي، وليس اسما رمزيا لعشرات الرؤساء المتنفذين المقنّعين تحت عنوانات مختلفة، يتّجه كل واحد منهم إلى وجهة مغايرة للآخر ويكيد له، والبلد يتمزق بينهم! رئيس يعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية صحيحة ويبني جيشاً قويا يحفظ الوطن، وأجهزة أمنية تحمي الناس، رئيس يعرف إذا ما فشل يخسر موقعه وإذا نجح سيعاد انتخابه، كي يتمكن من إنجاز مهمته ويوصل سفينة البلاد إلى شاطئ الأمان.
لا يختلف عاقلان على أنّ الذي يفرّق الساسة ويجعل كتلهم تضرب إحداها الأخرى، ليس مصلحة البلاد، بل المصالح الشخصية والحزبية والجهوية، وأنّ سفينة البلاد التي تكاد تغرق نتيجة هذا الصراع، ستغرق بالشعب وحده، لأنّ الساسة أعدّوا زوارق النجاة لهم ولأسرهم، وسيكونون في منجى من كل الكوارث القادمة التي هيّأوا لها كلّ أسباب
التحقق.
فمن غريب أمرهم، أنهم لم يسمعوا صوت الشارع الغاضب منذ خمسة أشهر، ويتصرفون اليوم وكأنّ شيئا لم يحدث، ولم يقرؤوا طبيعة التحديات المصيرية التي تواجه الدولة، إذ هناك أكثر من جهة متربصة، ويجب أن نفوّت الفرصة عليها جميعا من خلال تجاوز الخلافات التفصيلية لننتصر لستراتيجية واقعية يكون أساسها وحدة العراق ومستقبل
شعبه.