التكافل الاجتماعي في أزمة كورونا

آراء 2020/04/05
...

علي لفتة سعيد
 
في المحن تظهر المعادن، هكذا يعلّمنا الواقع والتربية والثقافة والوعي. ولأنّنا شعوب مرهونة للعادات والتقاليد، فإنّ الأمر مرهون أكثر بتطبيق ما يظهر في المحن من معادن، ومنها التكافل الاجتماعي الذي يعد واحداً من أهم مصاديق الشعور بالإنسانية والتقرب إلى الله والتحسّس من الفعل واكتساب الثواب وزيادة الرزق. التكافل الاجتماعي ليس معناه أن تكون قريبا من الآخر وتشعر بما يشعر به، بل هو المساهمة الفعّالة في قضاء الحاجة، وهذه لا تظهر إلّا في المحن. 
إنّ الشعوب التي تمرّ بالمحن الكبيرة، كما هو حال الكرة الأرضية الآن، حيث العزلة والانعزال التام وكأنّ الصمت هو الذي يراد له أن يكون سيد الكون، وكأنّ المحنة التي شملت الصحة والعافية تكون النتائج موتا بالجملة كما يقال حتى وصلت الأعداد حتى كتابة المقال أكثر من مليون و100 ألف ضحية لفيروس لا يرى بالعين المجردة، وبالتالي فرضت الحكومات، ومنها الحكومة العراقية، حظر التجوال من أجل مواجهة الفيروس، كواحدة من اجراءات المواجهة الفعالة والوحيدة المتاحة بغياب العلاج الخاص به.
ولأنّ حظر التجوال يعني عدم العمل، فإنّ الأمر يحتاج هنا إلى تكافل اجتماعي بين الجميع، فالحظر يسبب الجوع للأسر الفقيرة التي تعتاش على قوت اليوم، وهناك من هم ميسورو الحال الذين يقع عليهم جهد فعل الخير في موضوعة التكافل الاجتماعي، وهو أمر لا يضيع أبدا، والعراقيون يعلمون ذلك، فهم الذين يعبرون بكل محنة عن هذا الأمر، سواء كان ذلك لأنّه إنسان ميسور، أو أنّه يعد ما عنده من رزق من الله الذي يطالبه بفعل الخير ومساعدة الآخرين، أو استجابة لنداء حكماء الأمة في ضرورة المساعدة، فكلّ الأشياء تصب في نهر التكافل الاجتماعي الذي يبدأ بالأسر الفقيرة والمتعففة.
إنّ منْ يدرك فعل الخير على أنّه هو( أفضل عبادة يمكن أن نقدمها لله) و (لا شيء يخلّصنا من المصائب كالخير الذي نفعله)، وكذلك (ذكّر نفسك بأنّك تتاجِر مع الله وليس مع البشر، والبشر هم أسباب وضعها الله في طريقك لتكون أفضل وأطهر نفسياً وروحياً). إنّ فعل الخير هو أصدق معرفة بموضوعة التكافل الاجتماعي الذي يتضح بشكل جلي في أفعال العراقيين الآن الذين يسارعون إلى مساعدة الفقراء، بل إنّ الكثير من أصحاب العقارات تنازلوا عن إيجاراتهم لأنّ الخير يغدق في أرواحهم مثلما يمشي النهر في دواخلهم فيحملهم طاقة من فعل أخضر. وسارعت مجاميع من الشباب إلى إقامة روابط للمساعدة بتوزيع السلال الغذائية بين الأسر المتعففة، وفعل مثلهم الأطباء الاختصاص الذين راحوا يعالجون في بيوت المرضى، فضلا عن روابط وسائل التواصل الاجتماعي. إنّها فعاليات أظهرت معدن الإنسان العراقي الأصيل وفهمه التكافلَ الاجتماعي.
إنّ العراقيين مرّوا بمحن الحروب والحصار، وكل محنة مرّت على العراقيين يكون فعل الخير أكثر فاعلية، ولا أعتقد أنّ هناك محنة تمرّ على العراق أكثر فاعلية ممّا نمرّ به الآن، وربّما هي أقوى قولا كما فعل العراقيون عندما استباح داعش أرض العراق.
وتلك المواجهة في محاربته وتحرير الأرض لأنّ تلك محنة مواجهة مع توفر جميع العناصر الأخرى للشعب، التي ظهرت من خلالها عملية التكافل الاجتماعي بكل عناوينها حين هبّ الناس يتبرعون بما لديهم من أجل دعم معركة التحرير. ولكن هذه المحنة، محنة كورونا، هي مع عدو لا يرى ويطالبك بالصمت والهدوء، لكنّه يصرخ في الدواخل إنّ فعل الخير مستمر.