سندرسن باشا وكورونا

آراء 2020/04/07
...

نوزاد حسن
 

من المذكرات الجميلة التي قرأتُها، مذكرات طبيب العائلة المالكة، الدكتور البريطاني سندرسن باشا. وكان هذا الطبيب هو الطبيب الخاص للملك فيصل الأول. ومع أنّني أجد في مذكرات سندرسن باشا شيئا من العفوية الكبيرة التي قلّما نجدها في كتب المذكرات، فإنّي في واقع الحال تذكرت كلاما لذلك الطبيب وأنا أجلس صباحا لآخذ حصتي اليومية من فيتامين دي التي أوصانا الطبّ أن نحصل عليها إنْ تعرّضنا للشمس مدّة لا تقلّ عن خمسة عشر دقيقة. ما فائدة هذه الدقائق؟ يقول الأطباء إنّها تزوّد الجسد بفيتامين دي. وأثناء جلوسي لهذا الدرس اليومي خطر ببالي ما قاله ذلك الطبيب الذي كان يعالج الملك فيصل الأول، ففي ملاحظة لا تبدو عابرة إنْ ظنّها أحدٌ كذلك، أشار سندرسن باشا بأنّ الله منح العراق معقما طبيعيا هو
 الشمس. 
  شخصيا لا أفضّل ممارسة أخذ الفيتامين من الشمس من دون قراءة كتاب من الكتب. بالتأكيد لن يوصي سندرسن باشا في مذكراته القارئ بهذا الشيء، لكني أظن أنّ أحد أهمّ أسباب السعادة هو أن تجلس أمام الشمس ممسكاً كتابا تحب أن تنهيه.
  في هذه اللحظة بالذات، لحظة الاستسلام للغة كتاب جميل, وترك أفكار المؤلف تتسرب في أعماق العقل الذي لا يتغير من دون إحراق غابات من الكلمات فيه, أقول في تلك اللحظة السامية أعيش لحظتين معا، لحظة الجسد الذي يمتصّ الضوء, ولحظة العقل الذي يتعرض لصدمة أفكار جديدة تأتيه من موجات زرقاء تهب من دفتي 
الكتاب.
  لا يتغير هذا الطقس اليومي إلّا إذا كانت حرارة الشمس أكبر من أن أتحمّلها، ومع ذلك فأنا أختار ظلّ جدار وهنا أشعر بهواء الربيع الذي سينتهي بعد أيام قليلة، وعلينا أن نشعر بعذوبتها قبل 
رحيلها.
 لكن دعوني أقول كلمة قد تكون أكثر أهمية من كل ما سبق، وأتوجه بهذه الكلمة إلى كلّ من يحاول أن يكسر حظر التجوال من دون أن يكون هناك سبب لهذا الكسر. سأكون دقيقا في حديثي، أنا أتحدث عمّن يخرجون من دون أن يكون هناك سبباً ملحّاً في الخروج، وفي حقيقة الأمر أعرف كثيرين يقومون بهذا الأمر، فهم ليسوا بحاجة لشيء ولديهم ما يكفيهم, لكن الرغبة في المشي أو اللقاء قرب أحد المحلات صار عادة لا يمكن القضاء عليها. ومن الضروري الانتباه إلى أنّ الوضع العام لا يحتمل أنْ يقوم الإنسان بمغامرة خطرة كهذه، ويخرج مصطحبا ابناً في الثالثة من دون أن يلبسه كمامة أو قفازين. مثل هذا السلوك هو تجاهل لحق الآخرين على هذا الشخص، ذلك لأنّ كورونا قد قدّم لنا درسا أخلاقيا وقانونيا مهما جدا، وهو إنْ كانت حياتك لا تهمك فليس من حقك تحطيم حياة الآخرين. لاحظوا دقة الدرس الكوروني 
جيدا. 
اعبثْ بحياتك لكن ليس من حقك مطلقا العبث بحياة الناس، سواءً كانوا من معارفك أو غرباء عنك. لذا لا تعتقد لحظة واحدة أنّك غير مسؤول عمّن قد تنقل العدوى إليهم. أنت مُساءَل وعليك أن تنتبه جيدا لرسالة كورونا ورسالة طبيب العائلة المالكة سندرسن 
باشا.