الشهادة والحريَّة

آراء 2020/04/08
...

محمد صادق جراد 
 
تترسّخ اللحظات التاريخية في ذاكرة الشعوب لارتباطها بأحداث مهمة وكبيرة قد تكون بعضها سعيدة والأخرى مفجعة، إلّا أنّها تبقى في الذاكرة تستحضرها الشعوب كلّما مرت بهمّ من جديد. التاسع من نيسان لم يكن تاريخا عابرا في ذاكرة العراقيين إذ ارتبط بأكثر من حدث شكّلت بمجملها لحظات تاريخية ترسّخت في ذاكرة أبناء الشعب العراقي الذي شهد في التاسع من نيسان العام 1980 قيام النظام الدكتاتوري المقبور باغتيال السيد محمد باقر الصدر (قدس) إذ عُرف ذلك النظام بتصفية معارضيه من رموز دينية ووطنية عبر سياسات استبدادية وتسلطية وانتهاكات لحقوق الإنسان قام بها ضد أبناء الشعب العراقي، وجرائم إبادة جماعية بحق مختلف مكونات الشعب العراقي إذ شهد العالم جريمة حلبجة ضدّ الكرد، وجريمة المقابر الجماعية ضد أبناء الانتفاضة الشعبانية، وجرائم أخرى يندى لها جبين الإنسانية.
وشاء الله أنْ ترتبط ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر (قدس) في التاسع من نيسان بذكرى التاسع من نيسان من العام 2003 ليكون الانتقام الإلهي حاضراً بقوة، فكان سقوط صنم ساحة الفردوس، في التاريخ ذاته الذي استشهد فيه السيد الصدر الأول.
 وحينما نريد أن نتحدث عن السيد الشهيد الصدر الأول لا بد أن نقول بأنّه قد جمع بين المكانة العلمية والدينية والوطنية إذ كان عالما جليلا يتصف بالورع والزهد والتواضع ومكارم الأخلاق، وكان وما زال مدرسة إسلامية فكرية أصيلة، سعى السيد الصدر إلى تأسيسها من خلال أفكاره ونظرياته المتجددة والشاملة التي عالجت جميع المشكلات التي يعاني منها المجتمع الإسلامي والإنساني. وما زالت نظرياته ومؤلفاته تُدرس في أكبر الجامعات العالمية إذ أغنى المكتبة الإسلامية والعالمية بمؤلفات رائعة تمثل الأفق الواسع من المعرفة الإسلامية. ومن جانب آخر كانت له مواقف وطنية شجاعة في مواجهة الدكتاتورية البعثية الصدّامية ودفع دمه الطاهر ثمنا لها ليبقى خالدا في ذاكرتنا جميعا.
إنّ التاسع من نيسان العام 1980 كان نقطة تحول في مواجهة الطاغية وانطلاق مشروع التضحية والشهادة في سبيل الحرية، الذي أطلقه السيد الشهيد الصدر الأول. ومن جهة أخرى كان التاسع من نيسان العام 2003 نقطة تحول في تاريخ العراق ونهاية حقبة الظلم والتسلط والدكتاتورية وانطلاق مرحلة من الحرية التي انتظرها العراقيون عقودا طويلة عاشوها في ظل الحرمان وتقييد الحريات وتكميم الأفواه ومحاربة الشخصيات المثقفة والوطنية.
 ختاما نريد أن نقول إنّه على الرغم من اختلاف التسميات لما حدث في التاسع من نيسان 2003 وتسميته من قبل بعضهم بسقوط بغداد، أو تحرير بغداد، إلّا أنّنا نتفق على أنّها نهاية حكم دكتاتوري وانطلاق مرحلة الديمقراطية والحرية في العراق بغض النظر عن طريقة تطبيقها واستغلالها من قبل القوى السياسية التي عملت في العراق 
بعد 2003.