الخرافة في بلاد الرافدين قديماً

ثقافة شعبية 2020/04/11
...

هناء العبودي
 
 
كانت الخرافات منتشرة في حياة الناس في بابل القديمة بنحو واسع ، ولا تزال تنتشر في حياة الناس في العصر الحديث ، غير ان فرقاً مهماً واحداً بين الخرافات في العالم القديم وفي زماننا هو ان الدين الاسلامي يشجبها بينما كانت الخرافة في العالم القديم جزءاً من الدين نفسه ولم يشجبها الدين الرسمي .
ومن ابرز معالم الخرافة القديمة هو الاعتقاد بالعفاريت ، فمن وجهة نظر الانسان الاعتيادي في بابل وآشور ، قد توجد عفاريت في كل مكان تقريباً على الرغم من وجود اماكن وظروف تفضلها بوجه خاص . فقد كان من المحتمل وجودها في الصحارى ولهذا السبب تعد الصحارى اماكن خطرة على المتجولين فيها وكذلك المقابر والخرائب اماكن سهلة تكمن فيها ، ومن الخرافات التي كانت سائدة يزيد نشاط العفاريت حين تنتظر المرأة الولادة او ولادتها طفلها تواً وهذا ما يعزى له موت الوليد وحمى النفاس ، وان اغلب الامراض تنسب الى تدخلها المباشر ، ولعلها كانت تحاول ان تسكن البيوت التي بنيت حديثاً لإنزال الأذى باصحابها من البشر ومضايقتهم ولم تكن جميع الارواح مطبوعة على الشر . فكان بعضها يقوم بحماية البشر وكانت الثيران والاسود المجنحة الموضوعة خارج القصور الآشورية تمثل ارواحاً حامية من هذا النوع.
فقد كان الاعتقاد السائد ان اصل قوى العفاريت الضارة من انواع مختلفة ، وتحديداً ان بعضها وضع بيضها الاله العظيم (آتو) بينما كان اصل العفاريت الاخرى من العالم الاسفل ، ومع ذلك فان غيرها كانت ارواح بشر ، كانت بعض العفاريت ذات الاصل الالهي قوية جداً، إذ انها تستطيع التدخل ليس في حياة البشر فقط بل حتى في حياة الالهة نفسها وافضل مثال على ذلك خسوف القمر . وهناك انماط اخرى من المعتقدات منها العرافة (قراءة البخت) الرائجة في جميع ارجاء الشرق الادنى وليس في بلد ما بين النهرين فقط والتكهن بالاحلام ويعرف الجميع قصص يوسف في الكتاب المقدس ، ومن المناسب في هذا المقام ذكر بعض الآلهة عند البابليين والآشوريين التي كانوا يعتقدون بها والمعروفة لديهم والأكثر اهمية وكان على رأس هذه الآلهة ثلاثة آلهة عظماء هم (آنو) و( انليل) و(أيا) او انكي بحسب اسمه السومري الأصل ، كان آنو اسمياً ملك الآلهة وقد ارتبط بالاله (انليل) الذي حل محله عملياً فيما بعد ، كان (انليل) الذي يعني اسمه بالسومرية (سيد الريح) إله العواصف على الرغم من انه يكون هادئاً سمحاً، فان البشر كانوا يعترضونه حين يتعرضون للخطر حسب المعتقد ويمكن ان يكون عنيفاً كالعاصفة وهو الذي اصر على دمار الجنس البشري بالطوفان ، اما (ايا) او (انكي) فانه على نقيض ذلك يمكن ان يمثل السمة الاصلية للآلهة فقد كان اله الحكمة والسحر وكان لطيفاً بنحو ثابت لا يتغير وهو الذي اسس نظام العالم ووهب البشرية نعم الحضارة ، وهو ايضاً الذي منع دمار الجنس البشري بكامله بالطوفان وهو الذي كان المصدر الاساس للقوة السحرية ضد العفاريت اعداء البشرية ، اضافة الى (شمش) اله العدالة الذي يرى كل شيء في اثناء مسيرته اليومية فوق الأرض والذي كان عدواً لدوداً للخاطئين والظالمين وصديقاً للعادلين والمظلومين.
وهكذا عرفنا وبصورة موجزة كيف كانت معتقدات الانسان في الازمنة القديمة تنعكس على موقفه تجاه الحياة ، إذ ان من المعروف ان وجهة نظر ابن بلاد ما بين النهرين قديماً عن الحياة كانت في الاساس متشائمة وهذا يعني النظرة السائدة التي تعتبر الوجود الانساني لا طائل تحته في النهاية.