تحرر النفس من الأبحاث الواهية المجردة من الحقائق

آراء 2020/04/11
...

نجم بحري
 

إن الارتباك البادي في معرفتنا بأنفسنا يعود اساسا على وجود بقايا من مخلفات النظم البالي الحقائق المقطوع بها (الايجابية) وبين ما هو يخالف الاحساس الأدبي في سياق التحضر والتطور، واذا كان عقلنا لا يزال يتشبث باي نظام كائن ما كان فان ذلك يؤدي الى تغيير النواحي المختلفة الخاصة بمعنى الظاهرة الايجابية، ففي جميع الازمات التي مرت على البشرية، كانت الانسانية تتأمل نفسها من خلال منظر ملون بالمبادئ والمعتقدات والاوهام، فيجب ان تهمل هذه الافكار الزائفة غير الصحيحة ..فمنذ امد بعيد اشار ( كلود برنار ) الى ضرورة التخلص من النظم الفلسفية الجامدة، كما يفعل الانسان حينما يحطم سلاسل العبودية الفعلية، ولكن بلوغ مثل هذه الحرية لم يتحقق بعد لان البيولوجيين وعلماء الاجتماع كانوا اذا ما واجهتهم مشكلات شديدة التعقيد غالبا ما يستجيبون للاغراء الذي يستحوذ عليهم، لكي يبذلوا نظريات ثم يقلبونها بعد ذاك الى معتقدات ومن ثم  فقد تبلورت علومهم على شكل تراكيب شأنهم في ذلك شأن المتعصبين للديانات، لذلك فالمجتمع كثيرا ما يلاقي من دواعي التذكير، التي تثير التعب بسبب هذه الهفوات والاخطاء في جميع نواحي المعرفة، ولقد نشأت المعرفة التي نشبت بين علماء الحياة وعلماء الطبيعة المقيدة افكارهم والتي تدهش العقول اليوم تفاهتها بسبب اكثر هذه الاخطاء شهرة، فقد زعم علماء الحياة ان جسم الانسان كان آلة يتم التناسق بين اعضائها بواسطة عامل ليس طبيعيا، وتبعا لهذه الاراء، فإن العمليات المسؤولة عن وحدة الكائن الحي كانت محكومة بمبدأ روحي مستقبل وهي فكرة تشبه تلك التي يحتويها عقل المهندس الذي يصمم إحدى الآلات او العمارات او الجسور ..وهذا العامل الذاتي لم يكن ضربا من النشاط كما انه لا ينتج النشاط ولكن يتصل فقط بادارة الجسم . ومن الواضح ذكره ان المبدأ الروحي المستقل اوالمجرد ليس فكرة عملية انه مجرد انشاء عقلي بحت، وصفوة القول بأن علماء الحياة ينظرون الى الجسم البشري على أنه آلة يقودها مهندس يطلقون عليه اسم (انتلكي ) ولكنهم لا يعلمون ان ذلك لم يكن غير ذكاء المراقب، وهناك اوهام وتخبطات في حياتنا الواهية، اذ وجب علينا في الوقت نفسه أن نحرر أنفسنا من تلك الكتلة من الاوهام والاخطاء المتراكمة والحقائق التي جاءت وليدة الملاحظة السلبية التي رافقت المجتمع، ومن المشكلات الزائفة، التي تولي بحثها نفر من ضعاف النفوس الذين ينتسبون الى مملكة الجهل وعقم المعرفة والخلاص من المزيج المشوش المعقد الذي ظل باقيا في واقعنا المستجد .
واذا ما اتممنا هذا الاختزال فسيظل متراكما كما تتراكم الاوهام وتفسخ العقد الواهية المستديمة ولهذا فان المستطاع ان نقرأ تعبير جميع وجوه 
نشاطاتنا الاساسية، بمجرد نظرة واحدة نلقيها على تاريخ الانسانية لاننا جزء منها. 
إن الاراء الفاعلة هي فقط الاساس الذي تستطيع ان يشيد العلم والمعرفة فوقها بناء ثابتا نحو التطور والتحرر ولهذا فان الخيال فقط قادر على الايحاء للانسان بالاوهام والاحلام الحبالى بعوالم المستقبل .. فيجب علينا ان نخطو في القاء الاسئلة التي لا معنى لها من وجهة النقد العلمي المعقول،  بل اننا لو حاولنا ان نمنع عقولنا من متابعة المستحيل والمجهول، فسيذهب مثل هذا الجد عبثا، لان حب الاستطلاع ضرورة ميدانية لطبيعتنا، ان عقولنا تغلب جميع الاشياء والظواهر الخارجية وتنفذ الى اعماق نفوسنا بدافع من الغريزة وباصرار عجيب كما يفعل الاخرون من اجل التقدم والتطور وسحق التخلف والجهل والتقوقع على الذات، ان حب الاستطلاع يدفعنا الى اكتشاف المعرفة بفعل العقول الوطنية العالية، كما انه يجذبنا بلا هوادة في موكبة الى العوالم الانسانية من اجل ان نبني انفسنا .. ولا تلبث الجبال مستحيلة التسلق .. ولن تتلاشى ارادتنا وثبات عزمنا .. ابدا كما يتلاشى الدخان امام الرياح