حمزة مصطفى
في زمن كورونا الجائحة، ترك المحللون السياسيون الفضائيات ولزموا منازلهم "ينشون ذبان", بينما هجر الأطباء عياداتهم وتحولوا الى ضيوف دائمين على الفضائيات. قد تبدو القسمة ضيزى، ولكن هذا هو الموجود، طالما تغير كل شيء، وليس قواعد اللعبة كما يقول محللو الأوبئة والأمراض المتوطنة. لم يعد الخبر الأول يصنعه دونالد ترمب مهما ارتدى من أربطة حمر أو زرق أو برتقالية, ولا كيم جيم أونغ مهما ارتكب من "زعطوطيات" سياسية, ولا فلاديمير بوتين حتى لو مدد رئاسته حتى نهاية القرن الحالي، فالخبر الأول بات حكرا على فايروس احتار فيه المخلوق الذي لم يعرف منذ دارون حدود الله، فتمدد خارج صلاحيات ما هو مسموح له، خارج سياق العبث البيولوجي. منذ دارون بدأ العبث بإعدادات البشر، إذ جعل منا الأخ بمن فينا هو قروداً، ومن بعده جاء مندل ليكمل (براسنا) نظريته الوراثية، التي تطورت في ما بعد الى سلسلة مما بدا أنه منجزات علمية، مثل هندسة الجينات والحمض النووي وتحديد جنس المولود وحتى صفاته، مثل لون العينين أو الشعر أو البشرة. بدخول كورونا على الخط صار زعيم العالم الذي ينتظر إطلالته الجميع، هو رئيس منظمة الصحة العالمية، لأن ما ينطق به هذا الرجل يمكن أن يحدد في الساعات المقبلة أو في اليوم التالي مسار العالم صعودا أو هبوطا، بدءاً من أسعار النفط الى البورصة الى حركة الطيران، إذن فالخبر الأول والأخير والتقارير والمتابعات والبرامج الحوارية في جميع الفضائيات يصنعها فايروس ينتقل بسهولة وبسرعة من دون أن تحده حدود إلاّ حدود التباعد البشري. بدءاً من جبار عكار الى فهد بلان، تغنى المطربون بالأطباء بوصفهم خط الدفاع الأول والأخير إزاء أمراض الحب. عكار يبدو أنه كان أكثر يأسا من زميله فهد بلان، حين يقول: "لقمان ما طيبه جرح البدلالي". فهد بلان وحين شرع الطبيب في "جس نبضه" لكي يعرف درجة حرارته، لا لكي يعرف إن كان مصابا بكورونا أو "النشلة" العادية، إذ لم يكن هناك سواها حتى قبل شهور، طلب من طبيبه أن يترك يده لأن "التألم في كبدي". لا نعرف ما علاقة الكبد بالمصائب التي يعبر عنها فهد بلان، ولكن الجواب جاءه من عبد الجبار الدراجي الذي طلب هو الآخر من طبيبه أن يترك جرحه الأول، لينشغل بالجرح الجديد الظاهر للعيان.
الآن، إذ نعيش الجائحة، بتنا نخشى الذهاب الى الأطباء، ليس لأن الطبيب غير موجود لكونه مشغولا بالفضائيات، بل لأننا بدأنا نأخذ كل الاحتياطات اللازمة لعدم الانزلاق نحو الأمراض المعروفة، التي كنا نقضي عليها بحفنة من حبوب الباراسيتول أو الفلو أوت أو أبر الأسبيجك المزدوجة. غير أن المفارقة التي باتت لافتة للنظر، هي أنك حين تذهب الى أي مكان الآن؛ "دائرة مفتحة باللبن, أو مقر حركة سياسية أو قصر حكومي، خصوصا في ظل تعدد تكليف رؤساء الوزارات"، فإن من بات يتكفل بجس نبضك ليس الطبيب، بل أبو الاستعلامات المحصن بكل أنواع الكحول والديتول والكفوف والكمامات، علما "إنت وهو" تعرفان جيدا أنكما تضحكان على بعضكما.