«نحن غير مرئيين لهم»

بانوراما 2020/04/13
...

د. عذراء ناصر
 

هذا ما يقوله لي صديق في نقاش عن هموم البلاد المشتركة، مشيراً إلى الطبقات التي تولت أمرَ السياسة، فضيّعت البلاد والعباد، تذكرت حينها أمراً شغل بالي منذ مدة، وهي معلومة كنت قد قرأتها عن نشاطات منظمة جمعت ناشطات حقوق المرأة البريطانيات المعروفة بحملة «Women›s Suffrage” (ومن سفرج) أو حق الاقتراع العام للنساء، وهي جماعة تشكلت في بداية القرن العشرين تحت شعار “حق التصويت للمرأة .”Vote For Women” الجماعة تأسست تحت مظلة اتحاد النساء الاجتماعي والسياسي والعضوية فقط للنساء والمؤسسة لهذه الجماعة كانت الناشطة السياسيَّة املين بانكراست.

التي انتقدت كثيراً بسبب تكتيكاتها التي أُعدت مسلحة وعنيفة وكانت تنظم بها حركات الاحتجاج للمجموعة، التي أدت الى اعتقالات لعضوات المجموعة، وكانت بانكراست تشير الى النساء المشاركات بالمجموعة على أنهن محاربات بدلاً من كلمة ناشطات لأنَّ “الحرب هي اللغة الوحيدة التي يستمع إليها الرجال” كما تصرح كيري مولغان، التي تمثل دور مود وات (في فيلم يحمل عنوان الحركة نفسها والذي أنتجته عام 2015 المخرجة سارة جيفرون) وهذه هي أحد عناصر المجموعة الناشطة وتضيف “نحن نكسر النوافذ ونحرق الأشياء، لأنَّ الحرب هي اللغة الوحيدة، التي يستمع إليها الرجال! لقد ضربتمونا وخدعتمونا ولم تتركوا لنا خياراً” وهكذا رفعت بانكراست شعار “الأفعال وليس الكلام” Deeds not Words لتحقيق الحصول على حق التصويت للنساء في بريطانيا، اشتركت الناشطات بعد هذا الشعار في أعمال عنف عديدة، لكنَّ حادثتين مميزتين كانتا نقاطا فاصلة في تاريخ هذه الحركة وهما ما أثار انتباهي و أردت الكتابة عنه. 
الأولى هي موت ايميلي ديفيدسون بعد أن صدمها حصان الملك جورج الخامس عام 1913 في مضمار سباق بمدينة دربي، بعد أن دخلت مضمار السباق، فصدمها الحصان بسرعته الكبيرة، يعتقد أن الآنسة ديفيدسون كانت تحاول أن تعلق شارةً أو وشاحاً يحمل شعار الحملة على رقبة الحصان لا أكثر، ما أدى إلى موتها المؤسف، هذا جاء بعد عشرات الاعتقالات والإضراب عن الطعام وأعمال احتجاجيَّة مختلفة، خاصة أنها كانت تحمل تذكرة عودة الى بلدتها وخططت مسبقاً لعطلة نهاية الأسبوع مع أسرتها، ما زاد من الاعتقاد بأنَّ الحركة كانت لإثارة الانتباه فقط ولم تكن انتحاراً (يتوفر الفيديو المرفق وهو تسجيل للحادثة عام 1913). 
أما الحادثة الأخرى فقد حصلت عندما أرسلت اثنتان من ناشطات الحركة أنفسهن بالبريد الملكي الى البيت الرئاسي رقم 10 شارع داوننگ لتسلمان رسالة شخصية لرئيس الوزراء هيربيرت هنري اسكوث .Asquith وعلى عادة المملكة المتحدة بالتسجيل والاحتفاظ بكل ما ممكن تسجيله للتاريخ فإنَّ ملف الرسائل هذه محفوظ إلى الآن في متحف البريد الملكي تحت رقم البريد السريع 30/1655a وقد تم التوصيل وفق سجلات المتحف الساعة الثانية و 17 دقيقة، وبعد أن انتظر ساعي البريد المكلف بالتوصيل 10 دقائق وهي المدة المسموحة لانتظار التسليم بعد أنْ احتاج توصيل السيدتين 3 أيام الى العنوان المطلوب ترك المكان، وقد عد التسليم قد فشل وسجل الطرد ميتاً (أي لم يتم الاستلام ولا يمكن 
إعادته الى عنوان معروف وهو مصطلح يشير الى فشل التوصيل) بعد أنْ رفض رئيس الوزراء تسلمه، رغم أنَّ الآنسة سولمان والآنسة مكلالين لم يتم تسلمهما من قبل رئيس الوزراء.
 إلا أنَّ رسالة الحركة وصلت وأُعدت تحذيرا من الوقفة، التي أدتها الناشطات في اليوم التالي أمام مبنى البرلمان، وتنوعت أفعال الاحتجاج لهذه الحركة بين مقل الناشطات وإرسالهن بالبريد حتى بداية الحرب العالمية الأولى، عندما حولت الناشطات فعالياتهن بالكامل لدعم المجهود الحربي والنشاط المدني في البلاد ودعم الدولة، ما أدى الى إطلاق سراح جميع المعتقلات وإعادة النظر بقانون التصويت العام في الانتخابات و السماح بحق التصويت لمن تبلغ الـ 30 من العمر من مالكات الأراضي بالتصويت في الانتخابات العامة عام 1919 و كانت أول سيدة انتخبت عضواً في البرلمان البريطاني هي السيدة كونستانس ماكفيتش، التي رفضت هذه العضوية وقبلت بمقعد في مجلس العموم البريطاني لتحل محلها في تشرين الثاني 1919 نانسي استور Nancy Astor التي تعرفت عليها من أثناء إقامتي في مدينة بليموث Plymouth الساحلية البريطانية الساحرة فهي مالكة الأراضي في معظم المدينة وقد كانت من المحسنات في المدينة 
وقامت بالتبرع لإعادة زجاج نوافذ ولوحات كنيسة سانت اندروز، التي تتوسط المدينة الجنوبية الغربيَّة الرائعة وقد نجت الكنيسة من ضربات كثيرة خلال الحربين العالميتين حتى هذا اليوم بعد إجراء الترميمات لها و تقف صامدة على منتصف شارع اللرويل برييد Royal Parade حيث موقف الحافلات مقابلاً للتحفة المعماريَّة وانعكاسات زجاج النوافذ الملونة بالأزرق والأحمر ولوحات العذراء الجميلة والمزينة لها.