علي لفته سعيد
لا شيء يحكم القدر غير القدر نفسه.. ولا شيء يمنع الإيمان به غير الإيمان ذاته.. القدر مفعولٌ إنساني وحاجةٌ ايضا للإيمان به، كي تكون هناك معادلةٌ بين الذات والخارج.. بين المعقول واللامعقول.. وبين الانتفاع والحاجة.. وبين الحقيقة والخيال.. بين الواقع والغرابة
القدر يعني ترك فسحة من العقل للراحة شريطة أن يكون القدر غير مضمّخٍ بالسراب أو التسليم للآخر على انه قدرٌ مكتوب.. ولأن القدر إيمان بما مكتوب فإن الإيمان به يحتاج الى درايةٍ بأهمية الفعل الذي ينتجه القدر، بهدف الرسوخ في فعالياتٍ قادرةٍ على الاستعانة بالقدر من أجل بلوغ الهدف.. والقدر قد يأتي تسليمًا للمقدرات وخاصة تلك التي ترتبط بالغيب التي تحتاج الى مقدرةٍ فائقةٍ لمعرفة كنهها، ولذا فإن التسليم بها جزءٌ من إيمان الفرد وعقيدته.. وقد يأتي لتلافي ما يأتي بعدها رغم المعرفة إنها قدر غير محتومٍ يتطلّب الهدوء والسلام، وهناك قدرٌ يحتاج الى مواجهةٍ وعدم التسليم للمقدّر، لأنه يعني الخسارة ويعني الإهانة للذات، كأن يكون قدر الاحتلال أو التعارض مع العقيدة أو القوة المسلطة أو التسليب لحق.. فكلّ ما يقع للإنسان هو قدرٌ، سواء كان مخططاً أو مفاجئاً أو طارئاً او واقعاً لا محال
في العمل اليومي..
وما بين قدرٍ وقدر ثمة مسافةٌ من الوعي ومساحة من الثقافة وقدرة على التمييز بين حالات القدر التي تصادف الانسان يومياً.. القدر لا يعني الرضوخ لما واقع بين اليدين أو الخاضع لسلطة العقل والتفكير والتحليل والاستنطاق والاستخلاص ، وهو قدر غير ذلك المحتوم الذي يقع في دلالة الإيمان، كقدر الولادة والموت، وقدر العقيدة والانتماء، وقدر الدفاع عن الأوطان والدفاع عن البيت والاسرة والعرض.
ولأن القدر ( مجموعةٌ من الأحداث المتتالية التي ستحصل في المستقبل، ولا يستطيع الفرد تغييرها أو التدخل بها فهي من الشؤون الإلهية، وترد كلمة القضاء كمرادفةٍ له أحياناً أو تختلف عنه في أحيانٍ أخرى، وهو الأمر المقضي المفروغ منه، أي المكتوب دون القدرة على تغييره، وفي قولٍ آخر هو القسمة والنصيب، أي الوضع الذي تؤول إليه حال الفرد، بسبب إرادة الله له أن يتم كذلك لا بطريقةٍ وشكلٍ آخرين) فإن القدر مرتبط بالحركة اليومية للإنسان وليس فعلًا ماضويًا رغم إن التفكير به يكون بعد حصوله وتحوّله الى ماضٍ حتى لو كان لحظة.. فلا يمكن التفكير به كقدرٍ دون وقوعه ودون الاسترجاع لحيثياته ومآله وما نتج عنه وأسباب حصوله. إن القدر ايضا يحتاج الى ثقافةٍ لفهمه والى وعيٍ لادراكه.. وهو أمر ليس ميتافيزيقياً لكي لا يتم التحكّم به أو التخلّص من الإيمان به.. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) صدق الله العلي العظيم. ولهذا ارتبط القدر لدينا بإنه وقوع المصيبة، ولكنه ايضا وقوع الفرج لأن الحل ليس بعسيرٍ على الله سبحانه وتعالى، وهو هنا قدر التسلّم الى الله سبحانه وتعالى.. ولكنه من الجانب الآخر في القدر الذي يحتاج الى وعيٍ وإدراكٍ، فإن التسليم به لغير الله لا يعد قدرًا بل تسليمًا بغير حق..
ولهذا تبقى الحاجة الى فهم القدر بقدر الفهم الى القضاء واللطف فيه،
حين يكون الدعاء..
وما يمكن ان يفيدنا التعريف بالقدر من الجانب اللغوي على إنه ( التقدير والتفكر في تسوية الأمور ومبلغ الشيء والحكم، بينما القضاء لغةً الفصل والحكم.
القدر اصطلاحاً: هو معرفة الله تعالى لواقع الأمور التي ستحصل مسبقاً، ويعلم موعد حدوثها بالدقة، وبصفاتٍ مخصصة، وقد كتبها الله تعالى كلّها في اللوح المحفوظ، بينما القضاء اصطلاحاً: حكم الله تعالى في أمور المخلوقات وإيجاد هذا الحكم).. وهو ما يعني أن تبقى الحاجة الى التفكر والتفكير بماهية القدر لكي يكون القضاء وفق ما يمكن ان نستخلصه من واقع القدر.